كرامتكم، لما كان مبانى هذا الأمر العزيز أدامه الله على التقوى مؤسسة، وأوامره ونواهيه على أمر الله ورسوله جرية مترقبة، وإليها في الأخذ والتركة مستندة، وبمقتضياتها في جميع الأحكام آخذة عاملة، إذ هي نور الحق وسراجه، وعمود الصدق ومعراجه، وسبيل الفوز ومنهاجه، ورائد الثواب وبشيره، وقائد العقاب ونكيره، فمن ائتم بكتاب الله، الذي هو الإمام المنادى والحق الواضح البدى، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي جعل العمل بها كالعمل بكتابه، والوقوف عند حدها كالوقوف عند حده، أمن من الغوائل، في العاجل والآجل، وبلغ من السلامة في الحالين إلى أقصى أمد الآمل، ولم يوجد للباطل إليه سبيلا، ولم يتمكن للشيطان أن يجد في تضليله واستهواءه صرفاً ولا حويلا، فتوفرت الدواعى على الدعاء إليها، وحمل الكافة عليها، وأخذ الجميع مما يفقههم لديها، وقد أمر الله تعالى، من أمر الناس بطاعته، أن يحكموا بالعدل، ويضعوا للعبد موازين القسط، فلم يكن لهم بد من امتثال أمره، والاستناد إلى حكمه، وكانت الوجوه التي تفضى إلى الحق، في فصل قضايا العباد متنقبة، والطرق المؤدية إلى مغنى الصدق ومعناه ملتبسة ومتشعبة، فخرج فيها بُنَيات تخطىء الصراط المستقيم، وتضل الضلال البعيد، فصار امضاءها من غير استناد إلى هذا الهدى المتبوع، والعلم المرفوع، خطراً على ممضيها، وإنفاذها على غير هذا السنن غررا على منفذيها، ولما كان الأمر كذلك، تعين ووجب وثبت وترقب، أن نخاطب جميع عمال بلاد الموحدين أعزهم الله، شرقاً وغربا وبعداً وقربا، خطابا يتساوى فيه جميعهم، ويتوازى في العمل فيه كافتهم، بألاّ يحكموا في الدماء حكماً من تلقائهم، ولا يريقوها بباد أو رأى من آرائهم، ولا يقدموا على سفكها بما يظهر إليهم، ويتقرر فيما يروقه لديهم، إلا بعد أن تُرفع إلينا النازلة على وجهها، وتؤدى على كنهها، وتشرح حسب ما وقعت عليه، وتنتهى بالتوثق والبيان إلى ما انتهت إليه، وتقيد بالشهود العدول، المعروفين في مواضعهم بالعدل والرضا، الموجبين للقبول، وتكتب أقوال المظلومين وحججهم، وإقرارهم واعترافهم، وحجج الظالمين في مقالاتهم واستظهارهم في بيناتهم، مُعطًى كل جانب حقه، موفى كل قائد قوله، فتكون مخاطبتكم أعزكم الله، ومخاطبة من يتناول هذا الكتاب وتوجه إليه هذا القصد، خطاب من تَحَمَّل الشهادة ويؤدى فيها الأمانة، على ما يجب من البيان الذي لا يعتوره التباس ولا يطمس وجهه إشكال، ويتوثقون في المطلوبين بالدماء بسجنهم