كثيراً بفقد هذه القواعد الأولى لنأيها وقربها من المملكة النصرانية. ولكن الأندلس شعرت بالخطر الحقيقى منذ استطاع النصارى عبور نهر التاجُه متوسط شبه الجزيرة في غزوات قوية، واستيلائهم بعد ذلك على طليطلة ثالثة القواعد الأندلسية الكبرى بعد قرطبة وإشبيلية. ووضع نصر الزلاّقة، وقيام سلطان المرابطين في شبه الجزيرة، حداً مؤقتاً لتقدم النصارى في وسط شبه الجزيرة وشرقيها. ولكن موجة جديدة من الغزو النصرانى اجتاحت شمال شرقى الأندلس منذ بداية القرن السادس الهجري، فسقطت سرقسطة في يد النصارى (٥١٢ هـ - ١١١٨ م)، وكانت تطيلة حصنها الأمامى قد سقطت قبل ذلك بعام، ثم تلتها بقية قواعد الثغر الأعلى، لاردة وإفراغة ومكناسة وطرطوشة (٥٤٣ هـ - ٥٤٤ هـ)(١١٤٨ - ١١٤٩ م). وفي تلك الآونة ذاتها بدأ سقوط القواعد الإسلامية في غربي شبه الجزيرة أعنى في البرتغال، فسقطت أشبونة وشنترة وشنترين في يد النصارى في سنة ١١٤٧ م (٥٤٢ هـ)، وسقطت باجة بعد ذلك بقليل في سنة ١١٦١ م (٥٥٦ هـ)، ثم تلتها يابرة في سنة ١١٦٥ م (٥٦١ هـ).
ولما توطد سلطان الموحدين بالأندلس في أواخر القرن السادس الهجري، توقفت حركة الإسترداد النصرانى مدى حين، ثم عادت تضطرم قوية بعد إحراز اسبانيا النصرانية لفوزها الحاسم على الموحدين في موقعة العقاب (٦٠٩ هـ). ومنذ أوائل القرن السابع الهجري تجتاح اسبانيا المسلمة موجة عاتية من الغزو النصرانى وتسقط قواعد الأندلس التالدة شرقاً وغرباً في يد النصارى. وهكذا سقطت جزيرة ميورقة (٦٢٧ هـ - ١٢٢٩ م)، وبياسة (٦٢٣ هـ - ١٢٢٦ م) وأبَّدة (٦٣٠ هـ - ١٢٣٣ م) ثم قرطبة (٦٣٣ هـ - ١٢٣٦ م) وإستجة والمدور (٦٣٣ هـ - ١٢٣٦ م) وبلنسية (٦٣٦ هـ - ١٢٣٨ م) ودانية ولقنت (٦٤١ هـ - ١٢٤٤ م) وأوريولة وقرطاجنة (٦٤٣ هـ - ١٢٤٥ م) وشاطبة (٦٤٤ هـ - ١٢٤٦ م) ومرسية (٦٤٠ هـ - ١٢٤٣ م) وجيان (٦٤٣ هـ - ١٢٤٦ م)، ثم إشبيلية (٦٤٦ هـ - ١٢٤٨ م). واجتاحت غرب الأندلس في الوقت نفسه موجة مماثلة من الغزو النصرانى، فسقطت بطليوس (٦٢٧ هـ - ١٢٣٠ م) وماردة (٦٢٨ هـ - ١٢٣١ م) وشلب (٦٤٠ هـ - ١٢٤٢ م) وشنتمرية الغرب (٦٤٧ هـ - ١٢٤٩ م) ولبلة وولبة (٦٥٥ هـ - ١٢٥٧ م). ثم سقطت قادس في سنة ١٢٦١ م، وتلتها شريش في سنة ١٢٦٤ م. وهكذا لم يأت منتصف القرن