للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي) حتى كانت ولايات الأندلس الشرقية والوسطى كلها، قد سقطت في يد اسبانيا النصرانية، ولم يبق من تراث الدولة الإسلامية بالأندلس، سوى بضع ولايات صغيرة في طرف اسبانيا الجنوبى.

وأخذت الأندلس عندئذ، تواجه شبح الفناء مرة أخرى، وطافت بالأمة الأندلسية التي احتشدت يومئذ في الجنوب في بسيطها الضيق، ريح من التوجس والفزع، وعاد النذير يهيب بالمسلمين، أن يغادروا ذلك الوطن الخطر، الذي يتخاطف العدو أشلاءه الدامية، وسرى إلى الأمة الأندلسية شعور عميق بمصيرها المحتوم.

ولكن شاء القدر أن يرجىء هذا المصير بضعة أجيال أخرى، وشاء أن يسبغ على الدولة الإسلامية بالأندلس. حياة جديدة في ظل مملكة غرناطة، التي استطاعت أن تبرز من غمر الفوضى ضئيلة في البداية، وأن توطد دعائم قوتها شيئاً فشيئاً، وأن تذود عن الإسلام ودولته الباقية بنجاح، أكثر من قرنين. وكان من حسن طالع هذه المملكة الإسلامية الصغيرة، أن شغلت عدوتها القوية اسبانيا النصرانية مدى حين، بمنازعاتها وحروبها الداخلية، فلم توفق إلى تحقيق غايتها الكبرى، وهي القضاء على دولة الإسلام في الأندلس، وعلى الأمة الأندلسية بصورة نهائية، إلا بعد أن تهيأت لذلك جميع الظروف والأسباب. ولم يكن ذلك قبل مائتين وخمسين عاماً، عاشتها مملكة غرناطة الصغيرة أبية كريمة، ترفع لواء الإسلام عالياً في تلك الربوع، التي افتتحها الإسلام قبل ذلك بعدة قرون، وأنشأ بها المسلمون حضارتهم العظيمة التي حفلت بأرقى نظم للحياة المادية والأدبية، وأرفع ضروب العلوم والفنون التي عرفت في العصور الوسطى.

- ٢ -

كانت غرناطة وقت افتتاح الأندلس، مدينة صغيرة من أعمال ولاية "إلبيرة" تقع على مقربة من مدينة إلبيرة قاعدة الولاية، من الناحية الجنوبية (١)، افتتحها المسلمون عقب انتصارهم على القوط، بقيادة طارق بن زياد فاتح الأندلس، في موقعة شَريش في رمضان سنة ٩٢ هـ. (يوليه سنة ٧١١ م). ولما اضطرمت الفتنة بالأندلس، ودب الخلاف بين القبائل، عقب موقعة بلاط الشهداء (٧٣٢ م)


(١) إلبيرة وبالاسبانية Elvira هي مدينة رومانية قديمة كانت تسمى أيام الرومان Iliboris وكانت عاصمة للولاية التي تسمى بهذا الاسم، وكانت أيام الفتح الإسلامى مدينة كبيرة عامرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>