أن أطاعته جيّان وبسطة ووادى آش وما حولها من البلاد والحصون، وبسط حكمه على تلك الأنحاء بالرغم من معارضة ابن هود. ثم اتجه ببصره إلى القواعد والثغور الجنوبية باعتبارها أقرب ميدان للعمل، وأبعد الأماكن عن متناول العدو، ورأى في الوقت نفسه، أن يستظل بدعوة أحد الأمراء المسلمين الظاهرين، فدعا للأمير أبي زكريا الحفصى صاحب إفريقية (تونس) وتلقى منه بعض العون. وقيل أيضاً إنه حذا حذو ابن هود في الدعاء للخليفة المستنصر بالله العباسى؛ ونادت قرمونة وقرطبة وإشبيلية بطاعته لمدى قصير وذلك في أواسط سنة ٦٢٩ هـ، ثم عدلت قرطبة وإشبيلية عنه إلى طاعة ابن هود. ولما اضطرمت الثورة في إشبيلية، واستطاع زعيمها القاضى أبو مروان الباجى أن يبسط حكمه عليها، وأن يخرج منها عامل ابن هود، بادر محمد بن يوسف إلى محالفته على معارضة ابن هود ومقاتلته، وهزماه سوياً في بعض المواقع. ولكن محمداً غدر بعد ذلك بالباجى ليخلو له الجو ودس عليه من قتله. ولم يمض قليل على ذلك حتى أطاعته شَريش ومالقة، وكثير من القواعد والحصون القريبة (سنة ٦٣٠ هـ). أما إشبيلية وقواعد غربي الأندلس فقد احتفظت باستقلالها في ظل بعض الزعماء المحليين. وهرع إلى لوائه كثير من المسلمين الذين غادروا المدن التي وقعت في يد النصارى، واستطاع أن يحشد جيشاً كبيراً من الفرسان والرجالة، يؤازره في تنفيذ خططه ومشاريعه (١).
ولما قويت دعوة ابن هود، وامتد سلطانه نحو الغرب والجنوب، واستولى على غرناطة وأقره الخليفة العباسى على دعوته، رأى محمد بن يوسف (ابن الأحمر) مصانعته والانضواء تحت لوائه، فانحاز إليه وجاهر بطاعته (٦٣١ هـ) ولكن ابن هود ما لبث أن توفى في أوائل سنة ٦٣٥ هـ وانهارت دولته كما قدمنا.
وعندئذ بادر محمد بن يوسف إلى العمل، لاجتناء تراثه في الأنحاء الوسطى. وكان ابن هود قد ولى على غرناطة عتبة بن يحيى المغيلى، وكان خصما لابن الأحمر يأمر بسبه على المنابر، وكان ظلوماً جائراً، فلما اشتدت وطأته على أهل غرناطة، ثار عليه جماعة من أشرافها بزعامة ابن خالد، واقتحموا القصبة والقصر في عصبتهم، وقتلوا عتبة وأعلنوا طاعتهم لابن الأحمر، وبعثوا إليه يستدعونه؛ فسار ابن الأحمر إلى غرناطة ودخلها عند مغيب الشمس في يوم من أواخر رمضان
(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٧٩، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٩، واللمحة البدرية في الدولة النصرية لابن الخطيب ص ٣١.