للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة ٦٣٥ هـ (أبريل سنة ١٢٣٨ م)، وهو يرتدى ثياباً خشنة وحلة مرقعة، ونزل بجامع القصبة وأم الناس لصلاة المغرب، ثم خرج من المسجد إلى قصر باديس، والشموع بين يديه، ونزل فيه مع خاصته، وبذا غدت غرناطة حاضرته ومقر حكمه، وكان ذلك لأشهر قلائل فقط من وفاة ابن هود (١).

وما كاد ابن الأحمر يستقر في حاضرته الجديدة، حتى عول على افتتاح ألمرية وسحق ابن الرميمى وزير ابن هود وقاتله، فسار إليها في بعض قواته وحاصرها مدة، فلما اشتد عليها الحصار غادرها الرميمى من جهة البحر بأهله وماله في سفينة خاصة، وسار إلى تونس مستظلا بحماية أميرها أبي زكريا الحفصى، وملك ابن الأحمر ألمرية وامتد بذلك سلطانه إلى سائر الشواطىء الجنوبية.

وكان من أعظم أعوان محمد بن يوسف في تلك المعركة التي انتهت بتحقيق رياسته، أصهاره بنو أشقيلولة وهم أسرة قوية نابهة من المولدين. وكان كبيرهم أبو الحسن بن أشقيلولة من رجالات الأندلس وزعمائها وقت الفتنة، وكان من خصوم ابن هود ومن المقاومين لحركته، فانحاز إلى محمد بن يوسف منذ الساعة الأولى، وعاونه على مقاومة خصومه، وتوثقت أواصر الزعيمين بالمصاهرة، إذ تزوج أبو الحسن أخت محمد بن يوسف وتزوج ولده أبو محمد عبد الله بن أشقيلولة من ابنته. ولما استقام الأمر لابن الأحمر، ندب صهره أبا الحسن لحكم وادى آش، وندب أبا محمد لحكم مالقة. ولما توفى أبو الحسن خلفه في حكم وادى آش ولده أبو إسحق. وتمكن نفوذ بني أشقيلولة في الرياسة وكانوا عضداً لابن الأحمر، ولكن أطماعهم كانت تتجاوز حكم المدن، وكان ابن الأحمر في أواخر عهده يستريب بهم ويخشى بأسهم، وقد ظهرت أعراض انتقاضهم غير بعيد (٢).

ويرى المستشرق الإسبانى دى لاس كاخيجاس، أن قيام مملكة غرناطة في ظل بني نصر، يبدو لغزاً حقيقياً. ذلك أنها ولدت في ظروف غير ملائمة، بل ضعيفة ذابلة، ونشأ ابن الأحمر، لا كابن هود أو ابن مردنيش؛ وكلاهما ينتمى إلى أسرة حكمت ولاياتها منذ أيام الموحدين، ولكن وحيداً في بلده أرجونة


(١) اللمحة البدرية ص ٣٥؛ وراجع الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، وهو مؤلف مجهول (طبع الجزائر سنة ١٩٢٠) ص ٦٠، وفيه أن دخول ابن الأحمر مدينة غرناطة كان في آخر رمضان سنة ٦٣٦ هـ. ولكن معظم الروايات على أن دخوله كان في ٦٣٥ هـ.
(٢) ابن خلدون ج ٧ ص ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>