للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأقدس المبادىء وأسمى الاعتبارات، وكانت وشائج القومية والدين والخطر المشترك كلها، تغيض أمام الأطماع الشخصية الوضيعة، وكان فرناندو الثالث يرى فى ابن الأحمر بعد اختفاء ابن هود، زعيم الأندلس الحقيقى والخصم الذى يجب تحطيمه. وكان ابن الأحمر من جانبه يقدر خطورة المهمة التى ألقاها القدر على عاتقه، وكان يضطرم عزماً وإقداماً لمحاربة النصارى، واستخلاص تراث الوطن من أيديهم، فما كاد يستقر فى غرناطة حتى نشط إلى محاربة النصارى وكانوا قد عاثوا فى أحواز جيان وخربوها، وسار إلى قلعة مرتش (١) فى قوة كبيرة، وضرب حولها الحصار (٦٣٦ هـ)، ولكن النصارى قدموا لإنجادها بسرعة، واضطر ابن الأحمر إلى رفع الحصار، ثم اشتبك فى معركة حامية مع النصارى، وكان يقودهم ردريجو ألونسو وهو أخ غير شرعى لفرناندو الثالث، وهزمهم هزيمة شديدة، قتل فيها قائد مرتش، وعدة من أكابر الفرسان وأحبار قلعة رباح. على أن مثل هذه المعارك المحلية لم تكن حاسمة فى سير الحوادث. وكان فرناندو الثالث يرقب نهوض هذه القوة الأندلسية الجديدة بعين التوجس ويتأهب لمقارعتها، فما كاد ينتهى من إخضاع الثغور الشرقية والاستيلاء على مرسية، حتى عمد إلى مهاجمة ابن الأحمر، وكان يتوق إلى الانتقام لموقعة مرتش، وبعث لقتاله جيشاًَ قوياً بقيادة ولده ألفونسو. وعاث النصارى فى منطقة جيان واستولوا على حصن أرجونة موطن بنى نصر، وعدة حصون وأماكن أخرى من أملاك أمير غرناطة، تم حاصروا غرناطة نفسها (٦٤٢ هـ - ١٢٤٤ م)، ولكنهم ردوا عن أسوارها بخسائر فادحة. وفى العام التالى زحف النصارى على جيان وحاصروها، حتى كادت تسقط فى أيديهم. فلما رأى ابن الأحمر تفوق النصارى وعبث المقاومة، آثر مصانعة ملك قشتالة ومهادنته، فسار إلى لقائه فى معسكره، وقدم إليه طاعته، ويرى بعض الباحثين أن قدوم ابن الأحمر على هذا النحو إلى فرناندو، إنما كان تنفيذاً لاتفاق سابق، تم فيه التفاهم على تحديد مملكة غرناطة (٢). وعلى أى حال فقد تم الاتفاق على أن يحكم ابن الأحمر مملكته وأراضيه باسم ملك قشتالة وفى طاعته، وأن يؤدى له جزية سنوية، قدرها مائة وخمسون ألف قطعة من الذهب (دوبلاس)، وأن يعاونه فى حروبه ضد أعدائه، فيقدم إليه عدداً من الجند أينما طلب منه ذلك،


(١) مرتش، وبالاسبانية Martos، بلدة حصينة تقع على مقربة من جنوب غربى مدينة جيان.
(٢) Prieto y Vives: De como debio nacer el Reino de Granada p. ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>