للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجائع الدهر أنواع منوعة ... وللزمان مسرات وأحزان

وللحوادث سلوان يهونها ... وما لما حل بالإسلام سلوان

دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ... هوى له أحد وانهد ثهلان

فاسأل بلنسيةً ما شأن مرسية ... وأين شاطبة أم أين جيَّان

وأين قرطبة دار العلوم فكم ... من عالم قد سما فيها له شان

وأين حمص وما تحويه من نزه ... ونهرها العذب فيّاض وملآن

قواعد كن أركان البلاد فما ... عسى البقاء إذا لم تبق أركان

تبكى الحنيفية البيضاء من أسف ... كما بكى لفراق الإلف هيمان

على ديار من الإسلام خالية ... قد أقفرت ولها بالكفر عمران

حيث المساجد قد صارت كنائس ما ... فيهن إلا نواقيس وصلبان

حتى المحاريب تبكى وهى جامدة ... حتى المنابر ترثى وهى عيدان

...

أعندكم نبأ من أهل أندلس ... فقد سرى بحديث القوم ركبان

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم ... أسرى وقتلى فما يهتز إنسان

ماذا التقاطع فى الإسلام ينكم ... وأنتم يا عباد الله إخوان (١).

...

وقضى ابن الأحمر الأعوام القليلة الباقية من حكمه، فى توطيد مملكته وإصلاح


(١) راجع هذه المرثية البليغة بأكملها فى نفح الطيب ج ٢ ص ٥٩٤ و ٥٩٥، وفى أزهار الرياض ج ١ ص ٤٧ - ٥٠. وقد التبس الأمر على المقرى فى تعيين العصر الذى قيلت فيه هذه القصيدة والذى عاش فيه ناظمها صالح بن شريف فوصفه بأنه خاتمة أدباء الأندلس (أزهار الرياض ج ١ ص ٤٧). وذكر فى نفح الطيب أن أبياتاً أخرى أضيفت إليها تشتمل على ذكر بسطة وغرناطة وغيرهما ليست من نظم صاحبها لأنه توفى قبل سقوطها (أى غرناطة) مما يدل على اعتقاد المقرى بأن أبا الطيب عاش فى أواخر أيام مملكة غرناطة (أواخر القرن التاسع الهجرى). بيد أنه واضح من سياق القصيدة. وذكر القواعد الأندلسية التى تبكيها وهى بلنسية ومرسية وشاطبة وجيان وقرطبة وإشبيلية، وهى التى سقطت كلها فى يد النصارى بين سنة ٦٣٥ هـ و ٦٥٠ هـ، أن الشاعر قد عاش فى هذا العصر. ومن جهة أخرى فقد ذكر صاحب الذخيرة السنية صراحة أنها نظمت حينما نزل ابن الأحمر للنصارى سنة ٦٦٥ هـ عن عدد كبير من القواعد الأندلسية. وقد توفى أبو الطيب الرندى بعد هذه الأحداث بنحو عشرين عاماً فى سنة ٦٨٤ هـ. وسنعود إلى ترجمته فى الكتاب الرابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>