للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شئونها؛ وكان مذ شعر باستقرار الأمور فى مملكته، قد اختار لولاية عهده ولده الأمير أبا سعيد فرج بن محمد بن يوسف، ولكن هذا الأمير توفى فى سنة ٦٥٢ هـ، فاختار مكانه لولاية العهد ولده محمداً أكبر أولاده من بعده. وهكذا أسبغ ابن الأحمر على رياسة بنى نصر صفة الملوكية الوراثية (١). ولم تقع فى تلك الفترة حوادث ذات شأن، فقد لزم النصارى السكينة حيناً. ولكن ظهرت عندئذ أعراض الانتقاض على بنى أشقيلولة أصهار ابن الأحمر ومعاونيه؛ وكان ابن الأحمر قد زوج فى سنة ٦٦٤ هـ إحدى بناته لابن عمه الرئيس أبى سعيد بن اسماعيل بن يوسف ووعده بولاية مالقة، فنمى ذلك إلى واليها أبى محمد بن أشقيلولة، وهو أيضاً زوج ابنته، فغضب لذلك وأعلن العصيان والاستقلال بحكم المدينة، فسار ابن الأحمر لقتاله تعاونه قوة من حلفائه النصارى، وحاصروا مالقة ثلاثة أشهر، ولكنهم ارتدوا عنها خائبين (٦٦٥ هـ - ١٢٦٦ م). وعاد ابن الأحمر فسار إلى مالقة مرة أخرى فى سنة ٦٦٨ هـ، ولكنه لم ينل منها مأرباً (٢).

وفى تلك الآونة عاد النصارى إلى التحرك والتحرش بالمملكة الإسلامية، وسار ملك قشتالة ألفونسو العاشر إلى الجزيرة الخضراء فعاث فيها، وعاد ابن الأحمر يتوجس شراً من نيات النصارى، فبعث إلى أمير المسلمين السلطان أبى يوسف المرينى ملك المغرب يطلب منه الغوث والإنجاد، ونصرة إخوانه المسلمين فيما وراء البحر، ويخبره بما بدا من عدوان النصارى ونيتهم فى القضاء على ما بقى من ديار الأندلس، ولكن ابن الأحمر لم يعش ليرى نتيجة هذه الدعوة، إذ توفى بعد ذلك بقليل.

وكان محمد بن الأحمر يتمتع بخلال باهرة من الشجاعة والإقدام، وشغف الجهاد، والمقدرة على التنظيم، إلى جم التواضع والبساطة. ويقدم لنا ابن الخطيب مؤرخ الدولة النصرية عنه هذه الصورة المؤثرة: "كان هذا الرجل آية من آيات الله فى السذاجة والسلامة والجمهورية، جندياً ثغرياً، شهماً، أيِّداً، عظيم التجلد، رافضاً للدعوة والراحة، مؤثراً للتقشف والاجتزاء باليسر، متبلغاً بالقليل، بعيداً عن التصنع، جافى السلاح، شديد العزم، مرهوب الإقدام،


(١) الإحاطة ج ٢ ص ٦٥، واللمحة البدرية ص ٣٦، والذخيرة السنية ص ٨٨.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٢٥ و ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>