للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضاعفها الشعب الأندلسى الموهوب بذكائه ونشاطه وبراعته المأثورة. وهكذا كانت مملكة غرناطة الصغيرة، تستمد من مواردها الطبيعية، أسباب القوة والمنعة والرخاء.

وقد رأينا فيما تقدم أن كورة إلبيرة، وهى التى غدت فيما بعد كورة غرناطة، كانت منذ الفتح منزل قبائل الشام، وقد لبثت أعقاب هذه البطون مدى عصور كثيرة فى تلك الولاية. ولما اضطرمت الفتن بالأندلس عقب انهيار الدولة الأموية، تقاطر البربر من الضفة الأخرى من البحر على قواعد غرناطة، ثم غدت مدينة غرناطة مدى حين إمارة بربرية، وأصبح البربر عنصراً بارزاً فى سكان هذه المقاطعة. وكانت الثغور الجنوبية بطبيعة الحال، منزل البربر كلما عبروا إلى الأندلس، وخصوصاً أيام المرابطين والموحدين. وكانت طوائف كبيرة من الغزاة، تتخلف فى هاتيك الوديان النضرة وتستقر فيها، يجذبهم خصبها ونعماؤها. ولما أخذت قواعد الأندلس الشرقية والوسطى تسقط تباعاً فى أيدى النصارى، كان يهرع إلى القواعد والثغور الجنوبية كثير من الأسر المسلمة الكريمة، التى آثرت الهجرة إلى أرض الإسلام، على التّدجُّن والبقاء تحت سلطان النصارى. على أنه بقيت فى القواعد والثغور التى استولى عليها النصارى جموع كبيرة من المسلمين، الذين حملتهم ظروف الأسرة ودواعى العيش على البقاء فى الوطن القديم، تحت حكم الإسبان سادتهم الجدد. وأولئك هم المدجَّنون (١) (أو بالإسبانية Mudéjares) أو أهل الدجن. وقد شاع استعمال هذا اللفظ بالأندلس منذ أوائل القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) أو بعبارة أخرى مذ كثر استيلاء النصارى، على أراضى المسلمين، وكثر عدد الرعايا المسلمين الذين تضمهم اسبانيا النصرانية ففى هذه الفترة بالذات سقطت معظم قواعد الأندلس فى أيدى النصارى، وسقطت منها فى الشرق، بلنسية وشاطبة ودانية، ولقنت، وأوريولة، ثم مرسية، وسقطت فى الوسط قرطبة وجيان، وسقطت فى الغرب ماردة وبطليوس وإشبيلية وقرمونة ولبلة وغيرها - سقطت هذه القواعد الأندلسية التالدة كلها فى أيدى النصارى فى النصف الأول من القرن السابع الهجرى، وبقيت من أهلها المسلمين طوائف كبيرة تحت حكم الإسبان، وهى التى غدت مجتمع المدجنين. وكان أكثر


(١) من دجن وتدجن أى أقام، ومصدره الدجن والتدجن ومنه دواجن البيوت وهى طيور وحيوانات أليفة مقيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>