للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدجنين احتشاداً فى شرقى الأندلس فى منطقتى بلنسية ومرسية. ولهذا المجتمع الإسلامى الإسبانى تاريخ طويل مؤثر. فقد لبث المدجنون عنصراً، يتمتعون فى ظل ملوك قشتالة وأراجون، بنوع من الطمأنينة والرخاء والأمن، فكان يسمح لهم بالاحتفاظ بدينهم وشريعتهم ومساجدهم ومدارسهم، وكان لهم فى العصور الأولى قضاة منهم يحكمون فى سائر المنازعات التى تقع فيما بينهم وفقاً للشريعة الإسلامية؛ أما المنازعات التى تقع بين مسلم ونصرانى، فكان ينظرها أحياناً قاض نصرانى أو تنظرها محكمة مختلطة من قضاة من المذهبين. وكان من امتيازاتهم، أن لا يدفعوا من الضرائب غير ما كانوا يؤدونه من قبل لملوكهم، ثم ترك هذا الامتياز بمضى الزمن، وأصدر الفونسو العاشر فى سنة ١٢٥٤ م لسكان إشبيلية، امتيازاً يخولهم حق شراء الأراضى من المسلمين فى منطقتهم، مما يدل على أنه قد سمح للمسلمين بالاحتفاظ بأراضيهم، وكان لهم حق البيع والشراء فى العقارات. فلما تطورت الحوادث، وغلبت النزعة الرجعية فى أواخر القرن الثالث عشر، صدر قانون يحرم على المسلمين واليهود شراء الأراضى من النصارى، ولكن ترك هذا القانون فيما بعد. وكان يسمح للمدجنين أيضاً بحمل السلاح، ويلزمون بتأدية الخدمة العسكرية، ويعتبر الإعفاء منها امتيازاً خاصاً. ثم أعفى المدجنون بعد ذلك من الخدمة العسكرية نظير جزية سنوية يؤدونها، وكان انضمامهم إلى الجيوش النصرانية يقع فى حدود نسبتهم العددية. ولما توالى استيلاء الإسبان على القواعد والثغور الأندلسية، كان يخصص للمدجنين فى كل مدينة مفتوحة حىّ خاص لإقامتهم، يفصل بينه وبين أحياء النصارى سور ضخم، وكان هذا هو شأن اليهود أيضاً حيث كانوا يلزمون بالإقامة فى حىّ خاص بهم (١).

وتوجد فى كتدرائية سرقسطة مجموعة من وثائق عربية تلقى ضوءاًَ على تاريخ المدجنين وأحوالهم فى مملكة أراجون منذ القرن العاشر الميلادى إلى القرن الخامس عشر. وهى عبارة عن طائفة من عقود البيع والشراء والوديعة وغيرها التى عقدت بين أفراد من المدجنين وبين المدجنين والنصارى، وفيها وثائق محررة فى تواريخ متأخرة فى سنة ١٤٨٢، وسنة ١٤٩٦. ويستفاد من تلاوتها أن المدجنين فى مملكة أراجون، كانوا إلى هذا العصر المتأخر، حتى بعد سقوط غرناطة فى يد الإسبان،


(١) Dr. H. Ch. Lea: History of the Inquisition in Spain, V. I. p. ٦٢-٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>