وأكثرها دأبا ومثابرة، وأوفرها تأدية للضرائب، وكانوا ساعد النبلاء الأيمن فى زراعة أراضيهم واستغلالها. وكانوا يستأثرون بالتفوق فى العلوم والفنون والمهن. وكانوا أبرع الأطباء والمهندسين والبنائين. وكان لهم الفضل الأول، فى إدخال محاصيل عديدة فى اسبانيا النصرانية، مثل القصب والقطن والأرز والحرير والتين والبرتقال واللوز وغيرها، وما زالت مشاريع الرى التى أنشأوها، ولاسيما فى مناطق اسبانيا الشرقية والشمالية الشرقية تشهد بعبقريتهم فى هذا المضمار. وهم الذين وضعوا أسس الصناعة الإسبانية، وكانوا أساتذة الصناعات الدقيقة، وكانت صناعاتهم ولاسيما المنسوجات القطنية والحريرية، والفخار والخزف والجلود، نماذج بارعة تحذو حذوها الصناعة الأوربية، فلم يك ثمة أشهر من خزف مالقة، ولا أقمشة مرسية، ولا حرير ألمرية وغرناطة، ولا أسلحة طليطلة، ولا منتجات قرطبة الجلدية. وكانت بلنسية التى تضم كتلة كبيرة من المدجنين، تعتبر من أغنى ثغور أوربا بما تنتجه من السكر والنبيذ وغيرهما من المنتجات العديدة. وكان المدجَّنون مثال النشاط والدأب، يزاولون التجارة بنجاح وشرف، وكانوا أفضل التجار وأوفرهم أمانة ونزاهة، ولم يكن بينهم متسولون إذ كانوا يعولون فقراءهم. وكانوا مثلا للنظام والسكينة، يحسمون منازعاتهم بأنفسهم. وعلى الجملة فقد كانوا يؤلفون أصلح عنصر بين السكان الذين يمكن أن تحتويهم أى البلاد (١).
ويلخص لنا المؤرخ الإسبانى خانير أحوال المدجَّنين فى عصور التسامح والتزمت معاً على النحو الآتى:
"كان ثمة معاهدات من كل ضرب، تحترم بإخلاص فى سائر نقطها الجوهرية وتعتبر أساساً للحقوق والتعهدات المدنية للأندلسيين المدجنين، ويختلف بعضها عن بعض، سواء فى قشتالة أو أراجون، وفقاً لتباين النقط التى تتعلق بالامتيازات المختلفة. فهنا مثلا تطبق بنوع من التوسع، أو بروح يقل أو يكثر من الحرية أو التزمت، وذلك وفقاً لما نصت عليه اتفاقات تُطيلة أو طرطوشة، وقوانين قيجاطة أو عسقلونة، أو قلعة أيوب أو طليطلة، أو امتيازات بلنسية أو قرطبة أو إشبيلية، أو امتيازات القرى أو المزايا التى منحت للأحياء أو الضياع التى
(١) Dr. Lea: History of the Inquisition in Spain, V. II. p. ٦٦, ٦٧ ; Dr. Lea: The Moriscos of Spain p. ٥٧.