يسكنها كلها المسلمون. ومن أمثال التوسع والتسامح التى يقدمها إلينا التاريخ، وهو واحد من عدة كثيرة، الإمتياز الذى منحه خايمى الفاتح إلى مسلمى "وادى أوشو"، بأن يسكنوا فيه، وأن يقيلهم من الجرائم التى ارتكبت فيه، والعقوبات التى وقعت بسببها، ومن الديون التى عليهم لليهود، وأن يستمروا فى تطبيق شريعتهم، وأن يعلموا القرآن جهراً لأولادهم، وأن يقوموا جهراً بسائر شعائرهم الإسلامية، وأن يتعاملوا فى كل شىء داخل المنطقة كلها، ويدفعوا الضرائب المعتادة، باستثناء السنة الأولى حيث يعفون منها، وأخيراً بأن يحكموا فى قضاياهم الخاصة، وأن يقوموا بإدارة إيراد المساجد، وتعيين القضاة والعلماء وفقاً لتقاليدهم القديمة، ثم ولا يسمح لنصرانى أو متنصر أن يقيم بينهم دون إذن خاص منهم، وأن يحصلوا على عهد بتأمين أنفسهم وأموالهم، سواء بالنسبة لهم أو بالنسبة لأعقابهم، وهم يتعهدون من جانبهم بأن يؤدوا العشور، وأن يتعاونوا مع الدولة ومع باقى الرعايا من جيرانهم، وألا يقتربوا مطلقاً من الأماكن التى توجد بها الحرب، وألا يساعدوا أعداء ملوك أراجون.
بيد أنه كان ثمة طوائف أخرى من المدجنين أقل حظاً، فى بعض القرى التى أخضعت لبعض الفروض، ذلك أنه بالرغم من منحهم حرية التعبد، وضمان أملاكهم، فإنه نص مع ذلك على ألا يتخذوا الرقيق أو الخدم من النصارى، وألا يأكلوا أو يستحموا مع النصارى، وألا يقوموا بعلاجهم حال المرض، وألا يدفنوهم فى مدافنهم؛ كذلك حرم عليهم أن يقوموا علناً بشعائر دينهم، وألا يتخذوا مسائل الدين المسيحى موضعاً للمناقشة. ويلاحظ، أنه خلال هذه القيود العادلة التى كانت تقتضيها كرامتنا، فى عصر كانت الحروب الدينية تلهب فيه حماسة الكافة، أن حالة المدجَّنين كانت أفضل بكثير من حالة اليهود. وأن المدجنين قد استحقوا الثقة فى عهودهم. وقد كان المدجنون واليهود كلاهما يعاونون الدولة بدفع العشور من مواردهم، وكان هذا مما يرضى العرش، أو السادة، أو الأحبار الذين يتبعونهم.
ونحن متى تدبرنا ذلك التنوع الذى يقدمه لنا التشريع النصرانى للجنس المغلوب خلال عصر الإسترداد، يجب ألا نعتقد أننا نستطيع أن نكتشف نظاماً سياسياً معيناً، يقصد إلى استغراق السكان المسلمين مباشرة، سواء بالقوة أو بالمصانعة، ويفضى تدريجياً إلى الوحدة، التى حققت فى النهاية فى المملكة، وكان واجباً أن