للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحققها الأمة الإسبانية فى الدين كما تحققت فى شكل الحكومة. والواقع أنه إذا لم يكن ثمة نظام معين -كان من المستحيل تحقيقه أيام الاسترداد- فإنا نجد مع ذلك من خلال التعامل السلمى بين النصارى والمدجنين، والحرية المطلقة فى التعبد، ميولا واضحة للتوفيق قدر الإمكان بين الأجناس دون قوة ودون عنف. وهكذا فإنه مع ترك المساجد للمسلمين، كان الظافرون يخصصون أحدها فقط، وهو المسجد الجامع للعبادة النصرانية، كما حدث فى جيّان وقرطبة وإشبيلية. ولنفس هذه الغاية أنشأ الفونسو العالم فى سنة ١٢٤٥ م فى إشبيلية دراسات لاتينية وعربية، وأمر أن تُرفع بعض الضرائب عن الأشخاص الذين ينتظمون فى دراستها. ويكفى للتدليل على روح التسامح التى كانت سائدة بين الأمتين أن نذكر التحية التى أداها ملك غرناطة المسلم لذكرى وفاة سان فرناندو، حيث أرسل فى سنة ١٢٦٠ م، إلى الاحتفالات الدينية التى أقيمت بهذه المناسبة فى كتدرائية إشبيلية، طائفة من الفرسان من حاشيته، ومائة من المسلمين، حملوا فى أيديهم مع كثيرين آخرين شموعاً بيضاء. وفى خلال حرب غرناطة، أيام الملكين الكاثوليكيين، وهو عصر عظيم فى تاريخنا، كانت فيه القسوة تمتزج بالبطولة، سقطت أماكن كثيرة فى أيدى النصارى، بفضل ما أبداه هذان الملكان من الكياسة والحكمة السياسية، وما منحاه من ضروب الرحمة، والمنح الأخرى إلى المغلوبين، الذين فتحوا أبوابهم طوعاً، فى حين أنهم لو قاوموا حتى النهاية، لفرض الأسر على السكان، وبيعوا كالرقيق، ولم يمنحوا عهداً ما" (١).

وقد لبث ملوك قشتالة عصوراً يحرصون على الانتفاع بنشاط المدجنين وحمايتهم. ونستطيع أن نقول على ضوء الوثائق التى سبقت الإشارة إليها إنه كانت ثمة طوائف كبيرة منهم حتى القرن الخامس عشر، تعيش فى أنحاءكثيرة من اسبانيا النصرانية محتفظة بدينها ولغتها وتقاليدها (٢). وكانت البابوية تسير على خطتها، من التحريض


(١) Florecio Janer: Condicion Social de los Moriscos de Espana (Madrid ١٨٥٧) p. ١٣ & ١٤.
(٢) نشر المستشرق ديرنبور صورة وثيقة عربية إسبانية مؤرخة فى سنة ١٣١٢ م بعنوان: Une Charte Hispano-Arabe de l'année ١٣١٢:، وقد عقدت بين جماعة من المدجنين المقيمين بنافار وبين رئيس مستشفى يوهان دى أورشليم النصرانى. وفيها تبين حقوق كل طرف وواجباته. ومما رتب فيها على المدجنين "أن تعطوا للاشبطال Hospital المذكور الثلث من كل ما تجمعوا من طعام ومن عنب ومن زيتون ومن فول، ومن كل نوع من كل ما تجمعوا من كل فاكهة. وهذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>