ومنزل الآن للقاضى دون يليان افمانس ... والثمن مبلغه وعدته ستون مثقالا ذهباً من الذهب الأذفونشى الضرب دفع المبتاع المذكور جميع الثمن للبايعين المذكورين وقبضاه منه ... وخلص بذلك للمبتاع المذكور ملك جميع المبيع الموصوف ... الخ " وعلى الوثيقة شهود مسلمون ونصارى.
ونحن نكتفى بإيراد ما تقدم من هذه الوثائق. وهذه العقود تدلى بكثير من الحقائق التاريخية، فمنها يستدل أولا على أنه كانت توجد بطليطلة حتى أواخر القرن الثالث عشر، أقلية مسلمة هامة من المدجنين. ونحن نعرف أن طليطلة سقطت فى أيدى النصارى منذ سنة ٤٧٨ هـ (١٠٨٥ م). ومنها نعرف الكثير عن خطط طليطلة فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر للميلاد، ومنسوب أثمان العقارات، ونوع العملة المستعملة فى التعامل، وفيها ما يدل بوضوح على توثق أواصر المودة والتفاهم بين المدجنين والنصارى (١).
على أن الكثرة الغالبة من المسلمين فى القواعد الأندلسية الذاهبة، كانت تؤثر الالتجاء إلى أرض الإسلام والتشبث بلواء الدولة الإسلامية. وهكذا أخذت مملكة غرناطة، تموج منذ أواسط القرن السابع الهجرى بسيول الوافدين عليها، من بلنسية ومرسية وقرطبة وإشبيلية وجيان وبياسة وغيرها، وهكذا غدت المملكة الصغيرة تضيق بسكانها المسلمين، بعد أن احتشدت بقايا الأمة الأندلسية المتداعية فى تلك المنطقة الضيقة. ومن المرجح أن مملكة غرناطة كانت تضم فى عصورها الأخيرة، زهاء خمسة أو ستة ملايين من الأنفس، وكانت غرناطة وحدها تضم أكثر من نصف مليون نفس، وقد كانت هذه الهجرة الغامرة من مختلف القواعد الأندلسية فى الشرق والغرب، إلى ذلك الوطن الأندلسى الجديد، تضفى على التكوين العنصرى لسكان مملكة غرناطة طابعاً خاصاً. وبالرغم من أن العناصر الأساسية التى تتكون منها الأمة الأندلسية، وهى العرب والبربر والمولدون - وهم أعقاب الإسبان الذين أسلموا منذ الفتح - لبثت على كر العصور
(١) تحفظ هذه الوثائق فى قسم Archivos Historicos الملحق بالمكتبة الوطنية بمدريد. وقد نشر معظم وثائق هذه المجموعة المستشرق الإسبانى الكبير كونثالث بالنثيا Gonzalez Palencia مقرونة بترجمته الإسبانية فى أربعة مجلدات كبيرة تحت عنوان Los Mozarabes de Toledo en los Siglos XII y XIII ونشرت مقتطفات منها فى P. Boigues: Escrituras Mozarabes Toledanas.