للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكومات الإسلامية نفوذ يذكر. وكان منهم أعلام فى العلوم والآداب مثل الرئيس موسى بن ميمون القرطبى، الذى غادر الأندلس إلى المشرق فى أواسط القرن السادس الهجرى، فراراً من اضطهاد الموحدين، وكان لهم مثل هذا النفوذ فى مملكة غرناطة، ومنهم معظم أطباء البلاط والخاصة.

وكانت العروبة تغلب على السكان المدنيين فى مملكة غرناطة، ولاسيما بعد أن نزح إليها على أثر سقوط القواعد الأندلسية فى أيدى النصارى، كثير من سادة البطون العربية القديمة. ويذكر لنا ابن الخطيب عشرات من الأنساب العربية العريقة التى كان ينتمى إليها أهل غرناطة. بيد أنها كانت عروبة من نوع خاص، صقلتها الأمة الأندلسية، وأضفت عليها طابعها وألوانها الخاصة. ويصف ابن الخطيب الغرناطيين بوسامة الوجوه، واعتدال القدود، وسواد الشعر، ونضرة اللون، وإناقة الملبس، وحسن الطاعة والإباء، يتحدثون بعربية فصيحة تغلب عليها الإمالة. ويصف نساءهم بالجمال والرشاقة والسحر، ونبل الخلال، ولكنه ينعى عليهن المبالغة فى التفنن فى الزينة والتبهرج فى عصره. أما الجند فكانت فيهم كثرة ظاهرة من البربر، ولا سيما من قبائل زناتة ومغراوة وبنى مرين. ويرجع ذلك إلى أن طوائف البربر التى تخلفت منذ عهد المرابطين والموحدين بالأندلس، كان أغلبها من الجند، وقد بقيت على عهدها تؤثر الجندية على الزراعة والمهن والفنون المدنية (١).

وهكذا كان الشعب الأندلسى حين آذنت شمسه بالمغيب، كما كان يوم مجده، يتكون من هذا المزيج العربى الإفريقى الإسبانى الذى أطلق عليه الغربيون عبارة "عرب الأندلس" أو "مسلمى الأندلس" (٢).

وكانت الأمة الأندلسية تتمتع حتى فى عصورها الأخيرة بحضارة زاهرة، كانت مثار التقدير والإعجاب فى سائر الأمم الأوربية، وكان يحج إلى معاهدها العلمية كثير من الطلاب من مختلف أنحاء أوربا.

وكان الشعب الغرناطى من أهل السنة يدين بمذهب مالك، وهو المذهب الذى غلب على الأمة الأندلسية منذ أواخر القرن الثانى الهجرى، أعنى منذ عصر هشام بن عبد الرحمن الداخل، ولم تتأثر غرناطة فى نزعتها المذهبية ولا تقاليدها الدينية السمحة، بما توالى عليها من سيادة المرابطين والموحدين حيناً من الدهر.


(١) راجع الإحاطة فى أخبار غرناطة (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ١٤٠ - ١٤٥؛ واللمحة البدرية، ص ٢٧ و ٢٨.
(٢) وهى بالإسبانية Los Moros، وبالإنجليزية The Moors، وبالفرنسية Les maures

<<  <  ج: ص:  >  >>