وفى الوقت الذى كانت جيوش الصليبيين تحاول فيه أن تغزو مصر حصن الإسلام فى المشرق، فى أوائل القرن السابع الهجرى، كانت قواعد الأندلس الكبيرة تسقط فى أيدى النصارى، وكانت اسبانيا النصرانية تبدو يومئذ إزاء الأندلس، موحدة الرأى والقوى، كما كانت الجيوش الأوربية الصليبية تسير إلى المشرق متحدة لتحقيق الغرض المشترك.
وقد ظهر صدى النزعة الصليبية فى اسبانيا فى شكل آخر، هو قيام الجماعات الدينية المحاربة. ونحن نعرف أن جماعات الفرسان الدينية قامت فى المشرق فى ظل الصليبيين، واشتهر منهم بالأخص جماعة فرسان المعبد أو "الداوية" كما تسميهم الرواية العربية، وفرسان القديس يوحنا أوالأسبتارية. وكانت هذه الجماعات الدينية المحاربة، تشد أزر الأمراء النصارى وتؤدى للصليبيين أثناء الحرب والسلم خدمات جليلة. وكما أن قيامها فى المشرق كان أثراً من آثار المعارك الصليبية، فكذلك كان قيامها فى اسبانيا أثراً من آثار النضال بين اسبانيا النصرانية وبين اسبانيا المسلمة. ذلك أن بعض الفرسان والرهبان الورعين المتحمسين، كان يحزنهم تفرق الملوك النصارى وتخاذلهم أحياناً فى مقاتلة المسلمين، وكانوا يرون أنه لابد من قيام جماعات غيورة مخلصة من الفرسان، تنذر نفسها للدفاع عن الدين وعن الأراضى النصرانية. وكانت قدوتهم فى ذلك جماعات المسلمين من أهل الثغور والمرابطة، فقد كانت هذه الجماعات المجاهدة التى ترابط عند حدود الأراضى الإسلامية، تبدى فى محاربة النصارى بسالة منقطعة النظير، وتؤدى للجيوش الإسلامية أجلّ الخدمات. فلما أنشئت جماعة فرسان المعبد (الداوية) فى بيت المقدس سنة ١١١٩ م عقب قيام المملكة اللاتينية بقليل، كان لقيامها صدى عظيم فى اسبانيا، ولم تمض أعوام قلائل حتى قامت أول جمعية محاربة دينية فى أراجون فى عهد ألفونسو المحارب، فى صورة فرع لجماعة فرسان المعبد، وأبدى ألفونسو فى تأييدها حماسة، وانتظم فى سلكها الكونت ريمون برنجار أمير برشلونة، وأقطعت عدة حصون وأراض شاسعة على حدود أراجون، كما احتلت عدداً من الحصون فى قشتالة، ونمت بسرعة وأخذت تضطلع من ذلك الحين بدور هام فى سائر المواقع التى تنشب بين النصارى والمسلمين.
وقامت فى قشتالة بعد ذلك بقليل أعظم الجمعيات الدينية المحاربة، ففى أواخر mmmmmm