لمحاربة العرب على ضفاف اللوار، والتى حفزت شارلمان فيما بعد إلى عبور جبال البرنيه وغزو الأندلس أيام عبد الرحمن الداخل. غير أنه لما اشتد ساعد الأندلس أيام عبد الرحمن الناصر (أوائل القرن العاشر الميلادى) وظهرت المملكة الإسلامية فى أوج قوتها وظفرها، ونفذت الجيوش الإسلامية غير مرة إلى أعماق المملكة النصرانية، وشعر النصارى بالخطر الداهم على كيانهم، أخذت العوامل الدينية والقومية تستيقظ من سباتها، واتحدت المملكتان النصرانيتان ليون ونافار (نبرّة) على مقاومة الخطر الإسلامى. وكانت المعارك التى نشبت فى تلك الفترة فى عهد أردونيو الثانى وولده راميرو بين المسلمين والنصارى، تحدوها من الجانبين، فوق نزعتها القومية، نزعة دينية واضحة؛ فكانت غزوات المسلمين تحمل طابع الجهاد، ويهرع أهل الثغور إلى مرافقة الجيش لمقاتلة النصارى، وكان يرافق الجند النصارى إلى القتال جموع غفيرة من الأحبار ورجال الدين، يسقطون إلى جانب الفرسان فى ساحة الوغى. وكانت هذه الصبغة القومية الدينية تبدو كلما اشتد الخطر من الجنوب على اسبانيا النصرانية. ففى أواخر القرن العاشر فى عهد الحاجب المنصور، حينما اشتدت وطأة الأندلس على اسبانيا النصرانية، وغزا المسلمون أقصى وأمنع معاقلها الشمالية، اتحدت الممالك النصراية الثلاثة ليون وقشتالة ونافار ضد المسلمين فى جبهة دفاعية موحدة؛ وبدت كذلك موحدة الرأى والقوى، حينما عبرت جموع البربر إلى الأندلس تحت لواء المرابطين، لتنقذ الأندلس من خطر الفناء الذى كان يهددها، من جراء تفوق ملوك الطوائف. وكانت موقعة الزلاّقة تحمل فى نظر المسلمين طابع الجهاد فى سبيل الله، وتطبعها فى نظر النصارى صبغة صليبية واضحة، ولم يكن نصر الزلاّقة نصراً للأندلس على خصيمتها اسبانيا فقط، ولكنه كان نصر الإسلام على النصرانية أيضاً. وكذا كان نصر الموحدين فى موقعة الأرك، ثم هزيمتهم بعد ذلك فى موقعة العقاب، يحمل كلاهما من الجانبين هذا الطابع الدينى العميق. ويجب أن نذكر أن الحروب الصليبية، قد بدأت فى المشرق بعد موقعة الزلاّقة بقليل، واستمرت تضطرم بين المسلمين والنصارى فى مصر والشام زهاء قرنين، وبلغت ذروتها أيام الملك الناصر صلاح الدين معاصر الخليفة يعقوب المنصور الظافر فى معركة الأرك. ولم يك ثمة شك فى أن النزعة الصليبية التى دفعت بجحافل الغرب إلى الشرق الإسلامى، كانت تحدث صداها قوياً فى اسبانيا النصرانية وفى الغرب الإسلامى.