النصرانية أن حرب الإسترداد القومية لن تلبث حتى تتوج فى أعوام قلائل أخرى، بالقضاء على ما بقى من تراث الإسلام فى الأندلس.
ولكن شاء القدر أن تتمخض هذه المحنة، التى غمرت الأندلس فى أوائل القرن السابع الهجرى، عن قيام مملكة إسلامية جديدة هى مملكة غرناطة، تتمتع بالرغم من صغرها بكثير من عناصر الفتوة والحيوية. وفى الوقت الذى خيل فيه لاسبانيا النصرانية أنها أضحت على وشك الإجهاز على المملكة الإسلامية، كانت بذور صراع مرير طويل الأمد تنمو وتتوطد، وإذا بالنهاية المرجوة تستحيل إلى بداية جديدة. ولقد استطالت هذه المرحلة الأخيرة من حرب الاسترداد زهاء مائتين وخمسين عاماً، صمدت فيها المملكة الإسلامية لهجمات اسبانيا النصرانية المستمرة، وعملت على استغلال كل فرصة للمطاولة والمقاومة، وأبدت فى النضال على صغر رقعتها وضآلة مواردها، بسالة عجيبة. وكانت كلما شعرت بالخطر الداهم يكاد ينقض عليها ويودى بحياتها، استغاثت بجارتها المسلمة من وراء البحر، أو عصفت بإسبانيا النصرانية ريح الخلاف والتفرق فشغلتها عن إرهاق المملكة الإسلامية حيناً، حتى شاء القدر بعد طول النضال أن تنتهى هذه المعركة القاسية الطويلة إلى نهايتها المحتومة، وأن تنهار المملكة الإسلامية الصغيرة أمام ضغط القوة القاهرة، وأن تختتم حياتها المجيدة أبية كريمة.
وهنا يجدر بنا أن نحاول أن نلقى شيئاً من الضياء، على طبيعة هذا النضال، الذى استمر قروناً بين الأمة الأندلسية وبين اسبانيا النصرانية , وإلى أى حد كانت تحدوه العوامل القومية أو الدينية.
كانت العوامل القومية والدينية، تمتزج بأدوار هذا النضال فى معظم أطواره، وكانت تشتد حيناً وتخبو حيناً تبعاً لتطور الحوادث. ولما فتح العرب اسبانيا، وسيطرت الدولة الإسلامية على معظم أنحائها، قامت المملكة الإسبانية النصرانية الناشئة فى قاصية الشمال، ترقب الفرص للتوطد والتوسع. بيد أنها لم تجرؤ على تحدى المملكة الإسلامية والنزول إلى ميدان النضال قبل أواخر القرن التاسع، ففى ذلك الحين اضطرمت الأندلس بالفتن والثورات الداخلية، وشغلت حكومة قرطبة بأمر الثوار والنواحى. وكانت غزوات النصارى للأراضى الإسلامية يومئذ غزوات عيث يغلب عليها حب الانتقام والغنم. ولم يكن يطبعها شىء من تلك الروح الدينية العميقة، التى جمعت أوربا النصرانية تحت لواء كارل مارتل mmmmmm