للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القومى أو الدينى لم يكن دائماً ظاهرة بارزة، فى حروب المسلمين والنصارى.

فقد كان الفريقان المتحاربان على وجه العموم يحترم بعضهم بعضاً، وكان التعصب الدينى قاصراً على جماعات الفقهاء من ناحية، وعلى القساوسة والأحبار من جهة أخرى؛ ويوصف المسلمون فى الأناشيد الإسبانية القديمة بأنهم خصوم شرفاء، ولا يجيش النصارى نحوهم ببغض أكثر مما كان يجيش به المسلمون أنفسهم، بعضهم نحو بعض فى الحروب الأهلية التى كانت تنشب فيما بينهم (١). يقول العلامة دوزى: "إن الفارس الإسبانى فى العصور الوسطى لم يكن يحارب من أجل دينه أو وطنه، بل كان مثل "السيِّد" يحارب لكسب عيشه، سواء فى ظل أمير مسلم أو أمير نصرانى. ولقد كان "السيِّد" نفسه أقرب إلى روح المسلم منه إلى الكاثوليكى" (٢). وفى حياة السيد الكمبيادور (الكنبيطور) (٣) نفسه أوضح مثل لاتجاهات الفروسة الإسبانية فى تلك العصور، فقد نشأ السيد وظهر فى كنف أمير مسلم، وتقلب فى خدمة الأمراء المسلمين والنصارى على السواء، بل لقد خدم الأمراء المسلمين أكثر مما خدم الأمراء النصارى، ولو لم يمت وهو فى خدمة الجانب النصرانى لما حفلت به الأساطير الإسبانية، ورفعته إلى مرتبة البطل القومى (٤). وفى أحيان كثيرة نرى المرتزقة من الفرسان والجند النصارى يعملون فى الجيوش الإسلامية. وفى مواطن عديدة من تاريخ اسبانيا النصرانية، نرى الملوك والأمراء النصارى خلال الحروب الأهلية يلوذون بحماية الأمراء المسلمين.

فقد لجأ سانشو ملك ليون إلى حماية عبد الرحمن الناصر حينما استأثر أخوه أردونيو بالملك دونه، ولجأ ألفونسو السادس ملك قشتالة إلى حماية المأمون بن ذى النون


(١) Dr. Lea: History of the Inquisition in Spain ; V. I. p. ٥١.
(٢) Dozy: Recherches sur l'Histoire et Littérature de l'Espagne pendant
le moyen age ; V. II. p. ٢٠٣ & ٢٣٣.
(٣) وبالإسبانية El Cid Campeador؛ ومعناها "السيد الباسل جدا".
(٤) يختلف تقدير التفكير الغربى للسيد الكمبيادور ومنزلته من البطولة، فيرى دوزى فى كتابه ( Le Cid) أنه ليس سوى جندى مغامر يجمع فى شخصه من رذائل عصره أكثر مما يجمع من فضائله ويجاريه فى هذا الرأى معاصره العلامة الفرنسى رينان، ويقول " إنه لم يفقد بطل بخروجه من حيز الاسطورة إلى حيز التاريخ كما فقد السيد". ولكن العلامة الإسبانى المعاصر الأستاذ منندث بيدال يخالف هذا الرأى، ويبالغ فى تقديره للسيد، ويقول " إن الشعر والتاريخ يتفقان فى شأنه، وأنه بالعكس لا يوجد بطل ملاحم أكثر لمعاناً فى ظل التاريخ " R.M.Pidal: La Espana del Cid ; Vol. II. p. ٥٩٤.mmmmmm

<<  <  ج: ص:  >  >>