للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باجة، وهو يقاتل خصومه من حوله، وبعوث الأمير تتردد إليه، حتى لحقه الإعياء واليأس، ففر مع أخته وصحبه إلى جليقية، واستجار بملكها ألفونسو الثاني، فرحب به وأكرم وفادته، وأنزله بأطراف مملكته. وبعد حين رأى الثائر أن يعود إلى الطاعة فكاتب عبد الرحمن، ووقف ألفونسو على هذه المحاولة، فخشي إن أفلت الثائر منه أن ينقلب حرباً عليه، فسار إليه وأحاطت به الجند من كل ناحية، ودافع محمود عن نفسه دفاع الأبطال، ولكنه قتل أخيراً، وأسر أهله وصحبه، وكانت أخته الحسناء جميلة بين الأسرى (٢٢٥ هـ - ٨٤٠ م). ووقعت جميلة في نصيب كبير من كبراء النصارى، فحملها على اعتناق النصرانية وتزوج منها، وكان من ولدها فيما بعد أسقف شنت ياقب (١).

واضطرمت طليطلة بالثورة في نفس الوقت، ففي سنة ٢١٤هـ (٨٢٩ م) ثار بها زعيم من العامة يدعى هاشم الضراب، وكان هاشم في طليطلة أيام واقعة الحفرة، تم أخذ بين الرهائن إلى قرطبة، فاشتغل بها حداداً مدى حين وعرف بالضراب، ثم غادرها إلى طليطلة، وهناك اجتمع إليه عدد كبير من الأوغاد والسفلة، فأخذ يغير بهم على الأنحاء المجاورة، حتى اشتد بأسه وطار صيته، وهرع إلى لوائه أهل الشر والبغي من كل صوب، وسار إلى البربر في شنت برية، فأغار عليهم وأوقع بهم، فبعث عبد الرحمن الجند لقتاله بقيادة محمد بن رستم، عامل الثغر الأدنى، فنشبت بينه وبين الثوار عدة وقائع غير حاسمة.

وفي العام التالي بعث عبد الرحمن إلى عامله بالمدد، فزحف على الثوار والتقى بهم على مقربة من حصن سمسطا بمجاورة رورية، ونشبت بين الفريقين موقعة عنيفة هزم فيها الثوار، وقتل هاشم الضراب وكثير من أصحابه، وذلك في سنة ٢١٦هـ (٨٣١ م).

ولكن طليطلة استمرت مع ذلك على اضطرامها، وكان على عبد الرحمن أن يخوض معارك أخرى لإخضاعها. ففي سنة ٢١٩هـ (٨٣٤ م) أرسل إليها جيشاً بقيادة أخيه أمية بن الحكم، فحاصرها وانتسف ما حولها من الزروع، ولكن المدينة الثائرة لم تهن ولم تخضع، فرحل عنها، وأبقى بعض قواته بقيادة


(١) وردت هذه التفاصيل الشائقة في مخطوط ابن حيان (ص ١٨٢ و١٨٣ و١٨٤). وراجع ابن القوطية ص ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>