للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاث فيها. تم توغل غازيا، ينتسف الضياع والمروج ويسبى السكان، حتى وصل إلى حصن المقورة وأبدة على مقربة من شرقى قرطبة. وعندئذ عول القشتاليون على لقائه دفاعا عن أراضيهم. وخرج القشتاليون فى جيش ضخم، تقدره الرواية الإسلامية بنحو تسعين ألف مقاتل (١)، وعلى رأسهم قائدهم الأشهر صهر ملك قشتالة الدون نونيو دى لارا، الذى تسميه الرواية الإسلامية "دونونه أو دننه أو ذنونه".

وكان أبو يوسف قد ارتد عندئذ بجيشه إلى ظاهر إستجة، ومعه حشد عظيم من الغنائم والأسرى، فأغلقت المدينة أبوابها، واستعدت للقتال، ووضع أبو يوسف الغنائم فى ناحية تحت إمرة حرس خاص حتى لا تعيق حركاته، وعقد لولده أبى يعقوب على مقدمته، وخطب جنده وحثىعلى الجهاد والموت فى سبهلي الله. ثم تاقدم لملاقاة النصارى، ومعه بعض قوات الأندلس برياسة بنى أشقيلولة. ووقع اللقاء بين المسلمين والنصارى، على مقربة من إستجة جنوب غربى قرطبة، فى اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة ٦٧٤ هـ (٩ سبتمبر ١٢٧٥ م)، فنشبت بين الفريقين معركة سريعة هائلة، هزم النصارى على أثرها هزيمة شديدة، وقتل قائدهم الدون نونيو دى لارا وعدة كبيرة منهم (٢). وكان نصراً عظيما أعاد إلى الأذهان، ذكريات موقعة الزلاَّقة وموقعة الأرك، وكان أول نصر باهر يحرزه المسلمون على النصارى، منذ موقعة العقاب، ومنذ انهيار الدولة الإسلامية بالأندلس، وسقوط قواعدها العظيمة. وتبالغ الرواية الإسلامية فى تقدير خسائر النصارى، فتقول إنه قتل منهم فى الموقعة ثمانية عشر ألفاً، جمعت رؤوسهم وأذَّن عليها المؤذن لصلاة العصر، هذا فى حين أنه وفقاً لقولها أيضاً، لم يقتل من المسلمين سوى أربعة وعشرين رجلا (٣).

وبعث السلطان أبو يوسف برأس دون نونيو إلى ابن الأحمر، فقيل إنه بعثها بدوره إلى ملك قشتالة مضمخة بالطيب، مصانعة له وتوددا إليه. وكتب أبو يوسف إلى العُدوة رسالة يشرح فيها حوادث الموقعة، وما انتهت إليه من نصر باهر، فقرئت على المنابر، وكتب رسالة مماثلة إلى ابن الأحمر، فرد عليه بالشكر والدعاء. ورفع


(١) الذخيرة السنية ص ١٦٩ و ١٧٠.
(٢) ابن خلدون ج ٧ ص ١٩١؛ واللمحة البدرية ص ٤٤؛ والإحاطة ج ١ ص ٥٧٣؛ والذخيرة السنية ص ١٧٠ - ١٧٢.
(٣) الذخيرة السنية ص ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>