ابن أشقيلولة إلى أمير المسلمين أبى يوسف، قصيدة يهنئه فيها بالنصر جاء فيها:
هبت بنصركم الرياح الأربع ... وسرت بسعدكم النجوم الطلع
وأتت لنصركم الملائك سيفا ... حتى أضاق بها الفضاء الأوسع
واستبشر الفلك الأثير تيقنا ... أن الأمور إلى مرادك ترجع
وأمدك الرحمن بالفتح الذى ... ملأ البسيطة نوره المتشعشع
ولبث أبو يوسف بالجزيرة الخضراء بضعة أسابيع، قسمت فيها الغنائم واستراحت الجند. ثم خرج للمرة الثانية فى جمادى الأولى سنة ٦٧٤ هـ، وتوغل غازيا فى أراضى قشتالة حتى وصل إلى أحواز إشبيلية؛ فأغلقت المدينة أبوابها. وعاث أبو يوسف فى تلك الأنحاء، ثم سار إلى شَريش فضرب حولها الحصار، فخرج إليه زعماء المدينة ورهبانها وطلبوا إليه الأمان والصلح، فأجابهم إلى طلبهم وعاد إلى قواعده مثقلا بالغنائم والسبى. وقضى بضعة أسابيع أخرى بالجزيرة الخضراء، ثم عبر البحر إلى المغرب فى أواخر شهر رجب ٦٧٤ هـ، بعد أن قضى بالأندلس زهاء خمسة أشهر.
على أن هذا النصر الباهر، الذى أحرزه السلطان أبو يوسف المرينى على النصارى، لم يحدث أثره المنشود فى بلاط الأندلس. ذلك أن محمد بن الأحمر، جنح إلى الارتياب فى نيات ملك المغرب، وخصوصاً مذ أسبغ السلطان حمايته على بنى أشقيلولة، وغيرهم من الخوارج على ملك غرناطة، ومثلت بذهنه مأساة الطوائف وغدر المرابطين بهم (١). وبعث ابن الأحمر إلى السلطان قبيل مغادرته الجزيرة، يعاتبه على تصرفه فى حقه بقصائد مؤثرة يستعطفه فيها ويستنصره، والسلطان يجيبه عنها بقصائد مثلها. ومن ذلك قصيدة من نظم أبى عمران بن المرابط كاتب ابن الأحمر هذا مطلعها:
هل من معينى فى الهوى أو منجدى ... من متهم فى الأرض أو من منجد
هذا الهوى داع فهل من مسعف ... بإجابة وإنابة أو مسعد
ومنها فى الاستغاثة:
أفلا تذوب قلوبكم إخواننا ... مما دهانا من ردًى أو من ردى
أفلا تراعون الأذمة بيننا ... من حرمة ومحبة وتودد
أكذا يعيث الروم فى إخوانكم ... وسيوفكم للثار لم تتقلد