للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول الرواية في سبب نقض موسى الطاعة، أن عبد الرحمن كان قد ولى عبد الله بن كليب على سرقسطة، وعامر بن كليب على تُطيلة، فأغار عبد الله على أموال ينقة بن ونقة أخى موسى لأمه، واعتدى عامر بن كليب على أملاك موسى وخيله، وانتهب أمواله، وخرب حدائقه، فعندئذ أعلن الخروج والعصيان، وكان ذلك في سنة ٢٢٦هـ (١). فسار عبد الرحمن إلى بلاد البشكنس (نافار)، وتوغل فيها حتى بنبلونة، وعاث فيها نسفاً وتخريباً، وسبى من أهلها جموعاً كثيرة.

ولا بد لنا هنا من التعريف بهذا الزعيم الثائر موسى بن موسى، إذ هو سوف يحتل منذ الآن فصاعداً، هو وأبناؤه, حيزاً كبيراً في تاريخ الثورة على حكومة قرطبة. فهو وفقاً لابن حيان، وابن حزم، موسى بن موسى بن فرتون ابن قسيّ (أو القسوي). وكان جده الأعلى، الكونت قسيّ Kasi من أشراف القوط، وكان وقت الفتح "قومس" Comes الثغر الأعلى، فلما غزا المسلمون أراضيه سار إلى الشام، واعتنق الإسلام على يدي الخليفة الوليد بن عبد الملك، وذلك لكي يحتفظ في ظل الغزاة الجدد، بأملاكه وسلطانه الإقطاعي، واعتبر بإسلامه على يدي الخليفة من مواليه، وانحاز بطريق هذا الولاء إلى جانب المضرية. وعدا أولاده وأحفاده من بعده زعماء المولدين في الثغر الأعلى. وكانوا من أنجاد الزعماء والفرسان، يمتازون بالجرأة والإقدام والشجاعة، ويعتزون دائماً بأصلهم القوطي النصراني، وكانت لهم دائماً علائق مصاهرة مع جيرانهم من الأمراء النصارى، من البشكنس وغيرهم، وكان إسلامهم في الواقع مظهراً سطحياً لاغتنام السلطان والنفوذ، وكانوا لا يشعرون بالولاء نحو حكومة قرطبة، يصانعونها متى وجبت المصانعة، احتفاظاً بمركزهم وسلطانهم في الثغر، ولكنهم لا يحجمون عن انتهاز أية فرصة للثورة عليها، ومحالفة أعدائها من النصارى. وسنرى فيما بعد أي دور خطير قامت به هذه الأسرة المتمردة الخطرة، في ثورة المولدين الكبرى على قرطبة (٢).


(١) نصوص عن الأندلس للعذري في الأوراق المنثورة من كتاب " ترصيع الأخبار " ص ٢٩.
(٢) راجع المقتبس لابن حيان، الجزء المطبوع بعناية المستشرق أنتونيا ص ١٦ و١٧.
وكذلك جمهرة أنساب العرب لابن حزم (القاهرة) ص ٤٦٧ و٤٦٨، حيث يقدم لنا شجرة كاملة لنسبة بني قسي، منذ جدهم الأعلى حتى أواخر القرن الثالث الهجري.

<<  <  ج: ص:  >  >>