بل وعلى المغرب أيضاً. ذلك لأن الأندلس أخذت تبدو من ذلك الحين جناح المغرب، وخطه الدفاعى الأول من الشمال، ولابد من تأمين هذا الخط والسهر على سلامته، وذلك بدعم قوة الأندلس وتأييدها، ورد خطر النصارى عنها. ومن ثم فقد استجاب أبو الحسن لدعوة ابن الأحمر وبعث معه الأمداد بقيادة ولده أبى مالك، لمنازلة جبل طارق وافتتاحها، وتلاحقت فى أثرهم السفن تحمل المدد والعُدد والمؤن. وحشد ابن الأحمر قواته، وزحف على الجزيرة واستولى عليها. وطوق المسلمون جبل طارق من البر والبحر، ورابط أسطول المغرب فى مياه المضيق ليحول دون وصول الأمداد إلى النصارى، وهرع ملك قشتالة (ألفونسو الحادى عشر) فى قوة من الفرسان لإنجاد الحامية المحصورة، فبادر ابن الأحمر إلى مهاجمة النصارى، وهزمهم أمام جبل طارق تجاه البرزخ الإسبانى. وكان أكبر الفضل فى إحراز هذا النصر راجعاً إلى همة الحاجب رضوان النصرى وإقدامه وبراعته. ثم شدد المسلمون الحصار على الثغر، وقطعوا كل صلاته من البر والبحر، فلم تمض بضعة أسابيع حتى ساءت حال الحامية النصرانية، واضطرت إلى التسليم قبل مقدم الجيش القشتالى. وبذلك استعاد المسلمون الثغر المنيع فى أواخر سنة ٧٣٣ هـ (١٣٣٣ م) بعد أن لبث فى حوزة النصارى أربعة وعشرين عاماً، وكان أكبر الفضل فى استرداده راجعاً إلى معاونة السلطان أبى الحسن فى البر والبحر. ولما رابط المسلمون والنصارى فى الميدان وجهاً لوجه، ورأى ملك قشتالة أنه لا أمل فى كسب معركة انتهت فعلا بظفر المسلمين، آثر الصلح، وانتهى الأمر بعقد الهدنة بين الملكين (١). واعتزم السلطان محمد بن اسماعيل (ابن الأحمر) العودة بجنده إلى غرناطة، ولكنه ما كاد يغادر جبل طارق فى اليوم التالى عائداً إلى عاصمة ملكه، حتى اغتاله فى الطريق جماعة من المتآمرين بتحريض بنى أبى العلاء، (ذى الحجة سنة ٧٣٣ هـ). وكان أولئك القواد المغاربة وعلى رأسهم شيخهم عثمان ابن أبى العلاء قد استفحل أمرهم فى الدولة، وأخذوا ينازعون السلطان فى أمر تصرفاته، ولما توفى شيخ الغزاة عثمان ابن أبى العلاء فى سنة ٧٢٩ هـ عين مكانه فى المشيخة ولده أبو ثابت عامر، فاستمر يمارس سلطان أبيه ونفوذه، وتدخله فى شئون الدولة، وكان يؤازره إخوته إدريس، ومنصور، وسلطان. وبدأ ابن الأحمر
(١) الإحاطة ج ١ ص ٥٤٠ - ٥٥٢؛ واللمحة البدرية ص ٧٧ - ٨٢؛ وابن خلدون ج ٧ ص ٢٥٥.