باشتداد وطأة القشتاليين، وضعف وسائله فى الدفاع، أرسل يستنجد بالسلطان أبى الحسن علىّ بن عثمان ملك المغرب، فأرسل الأمداد للمرة الثانية إلى الأندلس مع ولده الأمير أبى مالك، فاخترق سهول الجزيرة الخضراء معلناً الجهاد. وتوجست اسبانيا النصرانية من مقدم الجيوش المغربية شراً، واعتزمت أن تواجه الغزاة فى قواها المتحدة، فسار أسطول مشترك من سفن قشتالة وأراجون والبرتغال، إلى مياه جبل طارق، بقيادة الدون جوفرى تنوريو ليمنع الأمداد عن جيوش المغرب، وبارك البابا الحملة، وسارت قوى اسبانيا المتحدة للقاء المسلمين. وكان أبو مالك فى تلك الأثناء قد زحف إلى أراضى النصارى، واجتاح سهل بجانة (١) وحصل على غنائم لا تحصى؛ وهنا فاجأه الإسبان قبل أن يستطيع الارتداد إلى أراضى المسلمين، ونشبت بين الفريقين معركة دموية هزم فيها المسلمون هزيمة شديدة وقتل أبو مالك، وكان ذلك فى أواسط سنة ٧٤٠ هـ (١٣٣٩ م).
وعندئذ عوّل السلطان أبو الحسن على العبور بنفسه إلى الأندلس، ليثأر لتلك الهزيمة المؤلمة، فجهز الجيوش والأساطيل الضخمة، وبلغ أسطول المغرب يومئذ مائة وأربعين سفينة منها عدد كبير من السفن الحربية، وجاز السلطان البحر إلى الأندلس فى أوائل المحرم سنة ٧٤١ هـ (يوليه سنة ١٣٤٠ م) ونزل بسهل طريف ولحق به السلطان يوسف فى قوات الأندلس. وكانت الجيوش الإسبانية قد نفذت يومئذ إلى أعماق مملكة غرناطة، ووصلت إلى بسائط الجزيرة الخضراء، ورابط الأسطول النصرانى فى مياه المضيق بين المغرب والأندلس، ليمنع قدوم الأمداد والمؤن، وضرب النصارى الحصار حول ثغر طريف وتغلبوا على حاميته، ومضت أشهر قبل أن يقع اللقاء الحاسم بين الفريقين؛ فشحت الأقوات بين المسلمين، ووهنت قواهم. وكان الجيش الإسلامى يرابط عندئذ فى السهل الواقع شمال غربى طريف على مقربة من نهر "سالادو" الصغير الذى يصب فى المحيط الأطلنطى عند بلدة كونيل التى تبعد قليلا عن رأس طرف الغار. وفى يوم ٣٠ أكتوبر سنة ١٣٤٠ (جمادى الأولى سنة ٧٤١ هـ) نشبت بين الفريقين معركة عامة على ضفاف نهر سالادو، وتولى السلطان أبة الحسن قيادة جيشه بنفسه، وتولى السلطان يوسف قيادة فرسان الأندلس، ويقال إن الأندلسيين كانت لديهم فى تلك الموقعة آلات تشبه المدافع، وهى الآلات التى تطورت فيما بعد وكانت تسمى "بالأنفاط".