للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغزوات الناجحة إلى أرض النصارى، فغزا فى سنة ٧٣٢ هـ أراضى قشتالة شرقاً حتى لورقة ومرسية وعاث فيها، وفى العام التالى غزا مدينة باغة واستولى عليها (١).

ولما تولى الملك السلطان يوسف وقع الإجماع على اختياره للوزارة، واستقرت الأمور فى عهده وساد الأمن والرخاء. وينوه ابن الخطيب - وهو معاصر الحاجب وصديقه - بصفاته ومواهبه ويسميه " حسنة الدولة النصرية، وفخر مواليها". ويصفه فيما يلى: "وكان أصيل الرأى رصين العقل، كثير التجمل، عظيم الصبر، قليل الخوف فى العيهات، ثابت القدم فى الأزمات، ميمون النقيبة، عزيز النفس عالى الهمة، بادى الحشمة، آية فى العفة، مثلا فى النزاهة". وكان من أعظم مآثره انشاء مدرسة (جامعة) غرناطة الشهيرة. فأقام لها صرحا فخما، ووقف عليها أوقافا جليلة وغدت غير بعيد من أعظم مناهل العلم فى الأندلس والمغرب (٢)، وأمر ببناء السور الأعظم حول ربض البيازين، وأنشأ عدداً كبيراً من الأبراج الدفاعية، وأصلح كثيراً من الحصون الداخلية؛ ولكنه كسائر المتغلبين على السلطان، استبد بالأمر واستأثر بكل سلطة. فلما شعر السلطان يوسف باشتداد وطأته، وكثرت السعايات فى حقه، نكبه وأمر باعتقاله ونفيه إلى ألمرية، وذلك فى رجب سنة ٧٤٠ هـ.

ولكنه اضطر إلى أن يعيده إلى الوزارة بعد ذلك ببضعة أشهر، حينما شعر بالفراغ الذى أحدثه تنحيه عن تدبير الشئون، فاستمر فى منصبه حتى نهاية عهده (٣). وكان من بين وزراء السلطان يوسف، الكاتب والشاعر الكبير الرئيس أبو الحسن علىّ بن الجياب؛ وقد تقلب فى ديوان الإنشاء حتى ظفر برياسته. وكان من زملائه وأعوانه فى ديوان الإنشاء عبد الله بن الخطيب والد لسان الدين. ولما توفى عبد الله خلفه فى خدمة القصر ولده لسان الدين، وغدا أميناً لابن الجياب. فلما توفى ابن الجياب سنة ٧٤٩ هـ فى الوباء الكبير خلفه فى الوزارة، وبزغ نجم مجده من ذلك الحين.

وفى عهد السلطان يوسف كثرت غزوات النصارى لأراضى المسلمين، وكان ألفونسو الحادى عشر تحدوه نحو المملكة الإسلامية أطماع عظيمة. ولما شعر يوسف


(١) الإحاطة ج ١ ص ٥٤٨ و ٥٤٩.
(٢) كانت مدرسة غرناطة تقوم إزاء المسجد الجامع وراء القيسرية. وقد أقيمت كتدرائية غرناطة مكان المسجد الجامع، ولبثت المدرسة قائمة حتى القرن الثامن عشر، ثم هدمت وأقيم مكانها بناء آخر، ولم يبق منها إلا بعض أبهائها القديمة. ونقلت معظم زخارفها ونقوشها إلى متحف غرناطة.
(٣) راجع الإحاطة ج ١ ص ٥١٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>