للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جواباً يعقل ولا عثر على شىء عنه ينقل، لطفاً من الله أفاد براءة الذمم، وتعاورته للحين أيدى التمزيق. وأتبع شلوه بالتحريق" (١). ودفن السلطان الشهيد فى مقبرة الحمراء إلى جانب آبائه مبكياً عليه من شعبه بدموع غزيرة. وكان السلطان يوسف فى الواقع أعظم ملوك غرناطة همة وعزماً، وأبدعهم خلالا، وكان فوق فروسته ونجدته عالماً أديباً، شغوفاً بالعمارة وإقامة الصروح الباذخة، وهو الذى شيد البرج الأعظم بقصر الحمراء، وأنشأ به أفخم أجنحته وأبدعها، وهو الذى أسبغ على هذا الصرح العظيم بمنشآته وزخارفه، بهاءه وروعته التى ما زال يحتفظ بلمحة منها. وفى عصره زهت العلوم والآداب، وذاعت شهرة العلماء المسلمين، ولا سيما فى الفلك والكيمياء.

وهكذا لبث بلاط غرناطة حقبة يقف من دولة بنى مرين مواقف متناقضة، ويتردد بين سياسة التحالف والقطيعة، وبين الثقة والتوجس؛ وليس من شك فى أن بنى مرين كانوا عضداً قيما لمملكة غرناطة الناشئة، وقد أدوا لها فى ميدان الجهاد وفى مقاتلة النصارى خدمات جليلة، وبذلوا فى ذلك السبيل تضحيات جمة، وأعادوا بانتصارهم على النصارى فى غير موقعة حاسمة، ذكريات الزلاّقة والأرك؛ ولولا غوث بنى مرين، واشتغال مملكة قشتالة بحوادثها الداخلية غير مرة، لما اشتد ساعد بنى الأحمر، وسطعت دولتهم خلال هذه الفترة المليئة بالحوادث الجسام، واستطالت أيام الإسلام بالأندلس زهاء مائة عام أخرى. وقد كان من سوء الطالع ألا يدرك بلاط غرناطة خطر الخلاف، مع الحليف الطبيعى الذى رتبه القدر فيما وراء البحر، لإنجاد الأندلس عند الخطر الداهم، وأن يجنح من آن لآخر إلى مخاصمة هذا الحليف ومحاربته، كما حدث حينما استولى ابن الأحمر على سبتة. كذلك لم تخل سياسة بنى مرين إزاء مملكة غرناطة أحياناً، من الالتواء وبث الشكوك فى نفوس أمراء بنى نصر، بما كانت تجنح إليه من مداخلة الخوارج عليهم. وهكذا كانت قوى الإسلام تبدد فى معارك أهلية، وقد كان حرباً أن تتضافر على مغالبة العدو المشترك. على أن الدولة المرينية ذاتها، تدخل منذ وفاة السلطان أبى الحسن فى سنة ٧٥٢ هـ (١٣٥١ م) فى دور انحلالها، وتنحدر ألى غمر الحرب الأهلية، وتشغل بشئونها الداخلية، وتفقد غرناطة بذلك، العضد


(١) راجع نفح الطيب ج ٢ ص ٥٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>