للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقعة فى قلب أراضى العدو. وكان ذلك فى أواخر شهر المحرم سنة ٧٦٩ هـ (سبتمبر ١٣٦٧ م). ثم اقتحم الغزاة فى طريقهم مدينة باغة، الواقعة على مقربة من جنوب غربى جيان، ونهبوها ودمروها. وفى شهر ربيع الأول من هذا العام، زحف الغنى بالله على مدينة أبّدة، شمال شرقى جيان، وافتتحها عنوة، ودمر صروحها وكنائسها، وأسوارها، وتركها خرابا بلقعا، وعاد إلى غرناطة مكللا بغار الظفر (١).

وفى أواخر سنة ٧٦٩ هـ، سار الغنى بالله جنوبا إلى الجزيرة الخضراء، وحاصرها، وأرغم النصارى على إخلائها بعد قتال مرير، وبذا عاد الثغر القديم فترة أخرى إلى أيدى المسلمين. ثم رأى المسلمون أن يهدموا حصونها وصروحها ومعالمها، حتى لا تعود سليمة إلى أيدى النصارى، فهدمت وغدت قاعاً صفصفاً.

وفى ربيع سنة ٧٧١ هـ (١٣٧٠ م) زحف المسلمون ثانية على أحواز إشبيلية، وحاصروا مدينة قرمونة الحصينة، مدى حين، واقتحموا مُرْشانة الواقعة فى جنوب شرقى قرمونة. وهكذا ظهرت المملكة الإسلامية فى تلك الفترة بمظهر من القوة لم تعرفه منذ بعيد، وكان عصر الغنى بالله عصراً ذهبياً مليئاً بالسؤدد والرخاء والدعة، لم تشهده الأمة الأندلسية منذ عصور.

- ٢ -

ولما توفى الغنى بالله سنة ٧٩٣ هـ (١٣٩١ م) خلفه ولده يوسف أبو الحجاج (يوسف الثانى)، وقام بأمر دولته خالد مولى أبيه، فاستبد بالأمر وقتل إخوة يوسف الثلاثة سعداً ومحمداً ونصراً فى محبسهم، ثم سخط يوسف على وزيره وقتله، لما نمى إليه من أنه يحاول اغتياله بالسم بالتفاهم مع طبيبه يحيى بن الصائغ اليهودى، وزج الطبيب إلى السجن ثم قتل بعد ذلك (٢). واستأثر يوسف بالسلطة، وكتب إلى ملك قشتالة فى طلب المهادنة والسلم، وأطلق سراح عدد من الفرسان النصارى الذين أسروا فى بعض المعارك السابقة، وأرسلهم مكرمين إلى بلاط إشبيلية، فاستجاب ملك قشتالة إلى دعوته وعقد السلم بين المملكتين.


(١) الإحاطة ج ٢ ص ٥٤ - ٥٨؛ والاستقصاء ج ٢ ص ١٣٢؛ وقد وصف ابن الخطيب هاتين الغزوتين، وكان من مرافقى الحملة، فى رسالتين بعث بهما عن لسان سلطانه إلى السلطان عبد العزيز المرينى ملك المغرب، وقد وردتا فى كتابه " ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب " مخطوط بالإسكوريال (رقم ١٨٢٥ الغزيرى) - اللوحات ٣٧ - ٤٤.
(٢) الاستقصاء ج ٢ ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>