للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهرعت القبائل لتأييده، واستطاع أن ينتزع الملك لنفسه من أخيه (١).

ولما عقدت الهدنة بين مملكتى قشتالة وغرناطة، أخذت أواصر السلم تتوثق بينهما، وسادت بين بلاط غرناطة وبلاط اشبيلية علائق المودة والاحترام المتبادل، ولم تشهد غرناطة من قبل عهداً كعهد يوسف ساد فيه الوئام بين الأمتين الخصيمتين. وكانت غرناطة يومئذ تغص بالفرسان والأشراف النصارى، تجتذبهم خلال أميرها وبهاء بلاطها وفروستها. وكانت حفلات المبارزات الرائعة تعقد بين الفرسان المسلمين والنصارى فى أعظم ساحات المدينة، وتجرى طبقاً لأرفع رسوم الفروسية الإسلامية، ويشهدها أجمل وأشرف العقائل المسلمات سافرات، وتبدو غرناطة فى تلك الأيام المشهودة فى أروع الحلل وأبدع الزينات (٢). وكانت الأمة الأندلسية تتمتع يومئذ فى ظل ملكها الرشيد العادل بنعم الرخاء والسكينة والأمن، ولكنها كانت تنحدر فى نفس الوقت فى ظل هذا السلم الخلب والترف الناعم، إلى نوع من الانحلال الخطر الذى يعصف بمنعتها وأهباتها الدفاعية.

وتوفى السلطان يوسف فى سنة ٨٢٠ هـ (١٤١٧ م) بعد حكم دام نحو تسعة أعوام، وكان أميراً راجح العقل، بارع السياسة، عظيم الفروسية والنجدة، محباً لشعبه، فكان حكمه التقصير صفحة زاهية فى تاريخ مملكة غرناطة.

- ٣ -

وتوالى على عرش غرناطة بعد السلطان يوسف عدة من الأمراء الضعاف، أولهم ولده أبو عبد الله محمد الملقب بالأيسر. وكان أميراً صارما سيىء الخلال، متعاليا على أهل دولته، بعيداً عن الاتصال بشعبه، لا يكاد يبدو فى أية مناسبة عامة، وكان وزيره يوسف بن سراج واسطته الوحيدة للاتصال بشعبه وكبراء دولته. وكان هذا الوزير النابه، وهو يومئذ زعيم أعظم وأشرف بيوت غرناطة، يعمل ببراعته ورقّة خلاله، لتلطيف حدة السخط العام على مليكه. بيد أنه كان يحاول أمراً صعباً. ولابد لنا أن نقول كلمة فى التعريف ببنى سراج، وهم الذين يقترن اسمهم منذ الآن بحوادث مملكة غرناطة، والذين غدت سيرتهم فيما بعد مستقى خصبا للقصص المغرق.

فهم بنو سراج من أعرق الأسر الأندلسية العربية، ويرجع أصلهم حسبما يشير


(١) السلاوى فى الاستقصاء ج ٢ ص ١٤٨.
(٢) Condé: ibid ; V. III. p. ١٩٧ & ١٩٨. وكذلك Lafuente Alcantra ; Historia de Granada (١٩٠٦) V. III. p. ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>