غرناطة، وساعدها الأيمن حين الخطر الداهم. ولكن الدولة المرينية، كانت قد دخلت يومئذ فى دور انحلالها، وخبت قواها التى انسابت مرارا إلى شبه الجزيرة، ومن ثم فقد وجه سلطان غرناطة صريخه إلى مصر. وتضع الروايات المصرية تاريخ هذه السفارة فى رجب سنة ٨٤٤ هـ، وهو يوافق شهر ديسمبر سنة ١٤٤٠ م. ولكنها تضطرب فى ذكر اسم سلطان غرناطة، فيسميه المقريزى "الغالب بالله عبد الله بن محمد بن أبى الجيوش نصر"، ويسميه السخاوى "عبد الله ابن محمد بن نصر"(١). وفى رأينا أن المرجح أن هذه السفارة صدرت عن السلطان أبى عبد الله محمد بن يوسف أى السلطان الأيسر، لأنه حكم حتى أوائل سنة ١٤٤١ م.
وهناك احتمال بأن يكون مرسلها هو خلفه الثائر عليه السلطان محمد بن نصر بن محمد الغنى بالله وهو المعروف بالأحنف حسبما نذكر بعد، ولعل خبر هذا الانقلاب لم يكن قد وصل إلى مصر حين وصل السفراء الغرناطيون إلى القاهرة، وقد كان وصولهم إليها فى نفس التاريخ الذى وقع فيه هذا الانقلاب بغرناطة، وهو مما يرجح كون السلطان الأيسر هو مرسل هذه السفارة.
وعلى أى حال فقد وصل السفراء الغرناطيون وعددهم أربعة، كما يستفاد من الرواية المخطوطة المشار إليها، فى شهر رجب سنة ٨٤٤ هـ، وقدموا كتاب سلطانهم إلى سلطان مصر، الظاهر جقمق، وفيه يطلب الإنجاد من مصر. وقد رد سلطان مصر بأنه سوف يبعث إلى "ابن عثمان" أعنى إلى سلطان قسطنطينية، بأن ينجد الأندلس، ولما أكد السفراء الغرناطيون أنهم يتوجهون بصريخهم إلى مصر، اعتذر السلطان بأن بُعد الشقة يحول دون إرسال الجند إلى الأندلس، فطلب السفراء عندئذ أن تساهم مصر فى المعونة بالمال والعدة، فوعدهم السلطان بذلك.
وقدم السفراء الغرناطيون إلى السلطان هدية أندلسية من الفخار المالقى والأنجبار الغرناطى، ومن ثياب الخز الأندلسية، فاستحسنها السلطان، وفرقها بين مماليكه وحشمه وأهله. ولسنا نعرف شيئاً عن نتيجة هذه السفارة ولا عن موعد عودة السفراء الأندلسيين إلى غرناطة، لأن الرواية المخطوطة تنتهى بوصف رحلة هؤلاء السفراء إلى الحجاز مع ركب الحاج لقضاء الفريضة، وتقف عند وصف كاتبها للبقاع المقدسة، بيد أننا نرجح أنها لم تسفر عن أية نتائج عملية.
(١) الأول فى كتاب "السلوك فى دول الملوك". والثانى فى كتاب "الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع".