ولكن حوادث غرناطة كانت عندئذ تنذر بتطورات جديدة مزعجة. ذلك أن السلطان الأيسر بالرغم من حسن بلائه ضد النصارى لم يحسن السيرة فى الداخل، ولم ينجح فى اجتذاب شعبه، وكان فريق من خصومه من السادة الفرسان يلوذ بحماية ملك قشتالة، وعلى رأسهم الأمير يوسف بن أحمد حفيد السلطان يوسف الثانى، وابن عم الأيسر، وهو المعروف فى التواريخ القشتالية "بابن إسماعيل" وذلك لأن نسبه ينتهى إلى السلطان أبى الوليد إسماعيل الذى تولى العرش سنة ٧١٢ هـ. وكان ثمة فريق آخر من الزعماء الناقمين فى ألمرية يناصر الأمير محمداً بن نصر بن محمد الغنى بالله وهو المعروف بالأحنف. وكان الأحنف قد نجح فى دخول غرناطة سراً مع نفر كبير من أنصاره، وأخذ يعمل على إذكاء الفتنة. فلما آنس سنوح الفرصة، ثار فى عصبته واستولى على الحمراء والحصون المجاورة لها، وقبض على الأيسر وآله وزجهم إلى السجن، ونادى بنفسه ملكا، وذلك فى أوائل سنة ١٤٤١ أو أوائل سنة ١٤٤٢ م، حسبما تدل على ذلك وثيقة عربية، هى عبارة عن خطاب موجه منه إلى ملك قشتالة فى شهر ذى القعدة سنة ٨٤٦ هـ (مارس ١٤٤٣ م). يشير فيه إلى بعض المشاكل القائمة بين البلدين، ويطالب بإطلاق سراح سفيره المعتقل فى قشتالة (١).
ولكن الفتنة لم تهدأ ولم تستقر الأمور. وكان يعارض ولاية الأحنف فريق قوى من الزعماء والشعب، ويتزعم هذا الفريق المعارض الوزير ابن عبد البر زعيم بنى سراج. وكان يقيم فى حصن مونتى فريو فى شمال غربى غرناطة، ويؤيد ولاية الأمير يوسف (ابن إسماعيل) المقيم فى بلاط قشتالة. ولم يمض قليل حتى سار هذا الأمير من إشبيلية إلى غرناطة ومعه سرية من الفرسان النصارى أمده بها ملك قشتالة. والظاهر أن ابن إسماعيل استطاع التغلب عندئذ على الأحنف، واحتل الحمراء، وحكم مدى أشهر قلائل. ولكن الأحنف عاد فتغلب عليه واسترد عرشه (أوائل سنة ١٤٤٦ م). ورد السلطان الأحنف من جانبه بأن غزا أراضى قشتالة وهاجم قلعة بنى موريل وقلعة ابن سلامة، وقتل من فيهما من النصارى (١٤٤٦ م) وسير الوقت نفسه جزءاً من قواته لمقاتلة خصمه ابن إسماعيل، وانتهز الأحنف فرصة الخلاف القائم يومئذ بين أراجون وقشتالة، فأرسل إلى ملك أراجون يعرض
(١) نشر نص هذا الخطاب مع صورته الفتوغرافية فى كتاب نبذة العصر فى أخبار ملوك بنى نصر (المنشور بعناية معهد فرانكو بتطوان) ص ٧٦ - ٧٨.