للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلهما لتعرضهم لسفن المسلمين المجاهدين والإضرار بهم، فأخضعهما المسلمون وأثخنوا فيهما، وأصابوا كثيراً من السبي، وبعث أهلهما إلى الأمير يطلبون الأمان ودفع الجزية، ويتعهدون بالولاء والطاعة، فأجابهم إلى ما طلبوا. وكانت مياه اسبانيا الشرقية قد غدت منذ عهد هشام مركزاً للحملات البحرية المتجهة نحو الشمال والشرق، وكان قوام هذه الحملات في الغالب جماعات من البحارة والمجاهدين، الذين يجوبون هذه المياه طلباً للغنيمة والسبي، ويثخنون في الثغور والجزر النصرانية القريبة. ففي سنة ٨٠٦ م (١٩١ هـ) في عهد الحكم، غزت إحدى هذه الجماعات البحرية الأندلسية المغامرة جزيرة كورسيكا (قورسقة)، فبعث ببين ابن شارلمان ملك إيطاليا أسطولا لقتالهم، فهزموه واستولوا على كثير من الغنائم والسبي. ولم يمض عامان على ذلك، حتى عاد البحارة المسلمون إلى غزو شواطىء كورسيكا وسردانية، ثم توالت غزواتهم لها بعد ذلك. وفي سنة ٨٣٦ م (٢٢١ هـ) خرج أسطول أندلسي من ثغر طرّكونة والجزائر الشرقية، وسار إلى مياه فرنسا الجنوبية، وهاجم المسلمون ثغر مرسيليا وما حوله من الأراضي وأثخنوا فيها. وكان على عرش فرنسا يومئذ لويس ابن شارلمان، وكان ملكاً ضعيفاً عاجزاً، فلما توفي سنة ٨٤٠ م، اضطربت أحوال المملكة، وضعفت حماية الثغور، فانتهز البحارة المجاهدون هذه الفرصة، وغزوا ولاية بروفانس عند مصب نهر الرون، وهاجموا مدينة آرل وخربوها، ثم توالت غزواتهم في تلك المياه بعد ذلك، وكان من أثرها أن قامت مستعمرات عربية كثيرة في بروفانس وفي أنحاء أخرى في جنوب فرنسا وشمال إيطاليا، وسوف نعود إلى حديث هذه المستعمرات العربية النائية في قلب أوربا.

وفي سنة ٢٣٧ هـ (٨٥١ م)، اضطرمت الحرب في الشمال بين المسلمين والغسقونيين أو الجاشقيين كما تسميهم الرواية الإسلامية وهم فرع من البشكنس، وكان هؤلاء قد أغاروا على الأراضي الإسلامية المجاورة، في قاصية الثغر الأعلى، فتصدى لردهم موسى بن موسى والي تطيلة، وكان يومئذ على ولائه لحكومة قرطبة، ووقعت الحرب بين المسلمين والبشكنس، في جنوبي بنبلونة على مقربة من بقيرة، فهزم المسلمون أولا، وأثخن قائدهم موسى جراحاً، ولكنه أستأنف المعركة في اليوم التالي، وكر على العدو بشدة، فهزم البشكنس شر

<<  <  ج: ص:  >  >>