للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٧٦ هـ (١٤٧١ م) (١) وبذا قامت بالمغرب دولة فتية جديدة، بيد أنها لم تكن من المنعة والقوة بحيث تستطيع الإقدام على عبور البحر إلى الأندلس، فى سبيل الجهاد والنجدة، أسوة بما كانت تعمله دولة بنى مرين القوية الشامخة.

وهكذا كانت الأمة الأندلسية تشعر بأنها أضحت فريدة، فى مواجهة عدوها القوى، دون حليف ولا ناصر. ولم ير سلطان غرناطة بعد أن أضناه النضال، بدأً من قبول ما فرضه عليه ملك قشتالة من الاعتراف بسلطانه، وتأدية الجزية اغتناماً للمهادنة والسلم. وكانت مملكة غرناطة تجوز فى هذه الآونة العصيبة ذاتها مرحلة من الاضطراب الداخلى، وكان من أهم أسباب هذا الاضطراب الخطر، اضطرام المنافسة بين العرش وبين الأسر النبيلة القوية، مثل بنى سراج وبنى أضحى وبنى الثغرى وغيرهم (٢)، واضطرام المنافسة فيما بين هذه الأسر القوية ذاتها، وغلبة نفوذ النساء فى البلاط. وكان من أثر ذلك أن حدثت فى سنة ١٤٦٢ م فتنة خطيرة من جراء محاولة السلطان ابن إسماعيل أن يقضى على نفوذ بنى سراج أقوى هذه الأسر وأعرقها. وهكذا كانت نذر التفكك تعمل عملها المشئوم (٣). ومع أن غرناطة تمتعت بمزايا الهدنة الخادعة التى عقدتها مع قشتالة لمدى قصير، فقد كان من الواضح أن المملكة الإسلامية كانت تنحدر سراعاً إلى مصيرها الخطر، وتواجه شبح الإنحلال الأخير.


(١) راجع الإستقصاء ج ٢ ص ١٤٨ و ١٥٠ و ١٥١ و ١٦٠.
(٢) بنو أضحى أو بنو ضحى من سادة غرناطة، وقد ذكرهم ابن الخطيب فى الإحاطة مع من ذكر من الأسر الغرناطية، ولكنا لم نعثر فى الرواية الإسلامية على أية إشارة تلقى ضوءاً على أصل بنى الثغرى وهم الذين يسمون فى الرواية النصرانية ( Zegris) . ويقول المستشرق الإسبانى جاينجوس مترجم نفح الطيب إن التسمية الفرنجية هى تحريف لكلمة الثغريين وهم الذين نرحوا من أراجون أو الثغر الأعلى (مملكة سرقسطة) إلى غرناطة بعد سقوطه فى يد النصارى ( Mohammedan Dynastics in Spain ; V. II. p. ٥٤١ & Alhambra ; Intr. p. ١٥ Note) . وقد كانت كلمة الثغرى فيما يبدو صفة أو لقبا لكثير من الأسر النازحة من الثغر الأعلى (أراجون) إلى مختلف أنحاء الأندلس ولا سيما منذ القرن السادس الهجرى. ولهذا نجد عدداً من الزعماء يحمل هذا اللقب (راجع الحلة السيراء لابن الأبار ص ٢١٧ و ٢١٨). على أن هذا التعليل لا يكشف لنا لقب هذه الأسرة الغرناطية الحقيقى وإنما ينصرف إلى الصفة والشهرة. وهنالك ما يدل على أن آل الثغرى كانوا من البربر ومن قبيلة غمارة؛ وقد كانت لهم كما سنرى مواقف مشهودة فى حرب غرناطة الأخيرة.
(٣) يرى المستشرق جاينجوس أن منافسات بنى سراج وبنى الثغرى، كانت من أهم أسباب التعجيل بسقوط غرناطة Gayangos ; ibid; V. I. p. ٣١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>