حسبما أشرنا من قبل. وشغل ألفونسو بالشئون والإصلاحات الداخلية، ولاسيما الإصلاحات التشريعية. وكان المجتمع الإسبانى فى هذا العصر يشعر بحاجة شديدة إلى تشريعات تتفق مع تطوراته، وتقضى على ما كان يعتوره من شذوذ فى تكوينه، وتحدّ من طغيان الأشراف والسادة، وتلطّف من حدة التنافس والبغضاء بين الطوائف. وقد رأينا أن خايمى الفاتح ملك أراجون كان فى الوقت نفسه يضطلع فى مملكته بمثل هذا الدور الإصلاحى الهام. وكان ألفونسو تحدوه أطماع إمبراطورية ضخمة، إذ كان يطمح إلى تاج الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وذلك بسبب انحداره من أم ألمانية من آل هوهنشتاوفن هى ابنة الإمبراطور فيليب، وقد أنفق فى سبيل هذا المشروع الخيالى أموالا طائلة، واضطر لحاجته إلى المال أن يصدر نقداً زائفاً، وأن يتخذ إجراءات، كان لها أسوأ الأثر فى سير الأحوال الاقتصادية.
وكان ألفونسو بالرغم من اشتغاله بالشئون الداخلية، يجرى على خطة أسلافه فى متابعة غزو الأراضى الإسلامية. وفى أوائل عهده استطاع أن ينتزع مدينة قادس من سكانها المسلمين، بمعاونة حليفه ابن الأحمر صاحب غرناطة. بيد أن أمير غرناطة محمداً الفقيه، لما شعر بعد ذلك بما يدبره ملك قشتالة من خطط للقضاء على المملكة الإسلامية، عبر البحر إلى المغرب يطلب الغوث والعون، من السلطان أبى يوسف يعقوب المنصور. وقد رأينا فيما تقدم كيف استجاب المنصور إلى صريخ الأندلس، وعبر البحر إلى اسبانيا غير مرة وأثخن فى جيوش قشتالة.
وفى أواخر عهد ألفونسو العاشر ساءت الأحوال فى قشتالة، وثار الأشراف على العرش، لمحاولته أن يقضى على سلطانهم وامتيازاتهم. ثم خرج على ألفونسو ولده سانشو مناديا بحقه فى العرش، وكونه أولى من ولد أخيه المتوفى المرشح لولاية العهد. واضطرمت فى قشتالة حرب أهلية خسر فيها ألفونسو عرشه، والتجأ إلى السلطان أبى يوسف فأمده بالمال والجند حسبما فصلنا ذلك فى موضعه. واستمرت الحرب الأهلية بين ألفونسو وولده سانشو، حتى توفى ألفونسو فى سنة ١٢٨٤ م فى إشبيلية، منبوذاً مهزوما، وبذلك انتهت الحرب الأهلية فى قشتالة.
واستمر ولده سانشو الملقب بالباسل El Bravo على عرش قشتالة مدى حين بلا منازع، ولكنه لم يلبث أن اختلف مع النبلاء الذين آزروه ضد أبيه من قبل، ومع إخوته الأصاغر، وكذلك مع أبناء أخيه الأكبر فرناندو الذى توفى قبل وفاة أبيه، وثارت حول عرش قشتالة من جديد منازعات واضطرابات لا نهاية