ويقدم إلينا المستشرق سيمونيت، وهو عمدة العلماء الإسبان في الكتابة عن تاريخ (النصارى المعاهدين) Los Mozarabes التفاصيل الآتية، عما يصفه بأنه " البطولة التي تذرعت بها النصرانية في قرطبة في مقاومة فورات الإلحاد الإسلامي ".
ويرى سيمونيت أن قرطبة كانت من المعسكرات الرئيسية للحرب المدمرة التي شهرها الإسلام على النصرانية. وبالرغم عن أنه يعترف بأن الإسلام لبث مدى قرن يحتفظ بقدر من التسامح نحو المستعربين، وقت أن كان في حاجة إلى خدماتهم ومعاونتهم، فإنه يقول إن الإسلام لما شعر بقوته، لم يبد تسامحاً إزاء انتعاش الروح النصراني، الذي بدا يسيطر على فريق كبير من الشعب النصراني. ثم يتحدث سيمونيت بعد ذلك عن "المظالم وصنوف الاضطهاد التي كان النصارى يقاسونها، ليس فقط من عامة أهل قرطبة بل من حكومة قرطبة ذاتها ". ثم يقول:" وقد كانت هذه السياسة منافية للعهود والقوانين التي منحت للوطنيين (الإسبان) أيام الفتح. وقد كان الطغيان الإسلامي شديد الوطأة على ضمائر النصارى الوطنيين وأملاكهم وكرامتهم معاً ".
وينعى سيمونيت على أمراء قرطبة، أنهم احتفظوا بحقوق وامتيازات ضد النصارى لإخضاعهم، وأنهم كانوا مثل القوط يدعون لأنفسهم حق تعيين الأساقفة وعزلهم، وحق عقد المجالس الدينية التي يمثلهم فيها بعض المسلمين أو النصارى المرتدين، ويسندون وظائف الأساقفة في أحيان كثيرة إلى رجال من طراز منحط، يملقون الأمراء ويخدمونهم.
ولم يك استبداد الأمراء أقل وطأة على أملاك المستعربين وثرواتهم، إذ كانوا حرصاً على سلامتهم يؤدون للخزانة مزايا عظيمة، في شكل جزية وضرائب تنبو عن طاقتهم. وقد كان تسامح المسلمين لايغتنم في الظروف العادية إلا بالعرق والدم. ثم جاءت الأيام التي كان يقاسي فيها النصارى كل شىء، ليحتفظوا بحرية دينهم، وينتزع كل يوم منهم مغارم أكبر، هذا فضلا عن الضرائب العادية، وقد كانت فادحة في ذاتها تفرض عليهم بمختلف الحجج والأعذار.
وقد وصلت هذه المغارم إلى ذروتها في عصر عبد الرحمن الثاني الأمير الباذخ، ومحمد الأول الأمير القاسي، الذي حصل من نصارى قرطبة بواسطة الكونت سواندا على مبلغ مائة ألف " سويلدو ".