للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتحدث سيمونيت بعد ذلك عن تعصب المسلمين، ويقول إن تعصب العرب ضد الأجانب وامتهانهم لهم، وصل إلى الذروة في النصف الأول من القرن التاسع، وكذا وصل إلى الذروة تزمت البربر الوحشي، وتزمت الإسبان المسلمين (المولدين) الذين اتخذوا الارتداد عن دينهم سبيلا إلى بلوغ الرخاء، وكانوا لكي يمحوا ذكرى أصولهم المسيحية، أشد تعصباً ضد النصارى من المسلمين أنفسهم. كان هؤلاء وهؤلاء يمعنون في إهانة النصارى واضطهادهم بشتى المظاهر، ولاسيما رجال الدين والقساوسة، وكانت موجة هذا الاضطهاد تشتد كلما جاءت الأخبار بانتصار نصارى الشمال، أو قيام المولدين في طليطلة أو غيرها.

هكذا يتحدث سيمونيت عن "تعصب" المسلمين ضد رعاياهم وإخوانهم النصارى المعاهدين. ومع ذلك فإن سيمونيت يعترف بأن كثيراً من نصارى قرطبة، كانوا يخدمون في الجيش الإسلامي جنداً أو ضباطاً، وأن كثيراً منهم وصل إلى وظائف هامة في البلاط والقصر الملكي، وفي قصور أكابر المسلمين. ويصف سيمونيت تأثير المجتمع الإسلامي، وعظمته ولغته وتقاليده، في نفوس النصارى في قوله:

" هذا، وقد كان يأسر الشباب النصراني مظهر العظمة المادية والحضارية، التي تفوقت بها قرطبة المسلمة على قرطبة النصرانية، وما كانت تقترن به هذه العظمة من المظاهر الأدبية والفنية، التي بثها عبد الرحمن بحبه للشعر والفلسفة والموسيقى.

وكان من مظاهر تأثر الشباب النصراني أنهم كانوا يكتبون ويتكلمون العربية، محتقرين دراسة اللغة والآداب اللاتينية، وهو أمر كان شديد الخطر على وطنيتهم ودينهم.

وفي النصف الأول من القرن التاسع، لم تكن اللغة والآداب العربية فقط، بل وكذلك الأفكار والتقاليد الإسلامية، قد انتشرت بين المستعربين الإسبان. وهذا ما تشير إليه وثيقة هامة كتبها نصراني قرطبي معاصر هو ألبرو القرطبي Alvaro Cordubense في سنة ٨٥٤ م عنوانها Indicalo Luminoso، وفيها يصف بقوة وبلاغة، الذعر الذي أصاب " الأشراف الكرماء البواسل الذين كانوا يحتفظون بالعاطفة المسيحية والوطنية الإسبانية "، وكيف أن شباناً من

<<  <  ج: ص:  >  >>