للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنظر إلى المستقبل بعين التوجس والجزع، وأن هذه الحياة الباهرة الساطعة التى كانت تحياها بين آن وآخر، كلما تربع على العرش أمير قوى رفيع الخلال، لم تكن إلا سويعات النعماء الأخيرة، فى حياة أمة عظيمة تالدة. وقد كان هذا الشعور يخالج رجالات الأندلس منذ بعيد، حتى قبل أن تتفاقم الأمور، وتغدو مملكة غرناطة ألعوبة فى يد بلاط قشتالة، وكانوا يستشفون من وراء ذلك خطر الفناء المحقق، وكان ابن الخطيب وزير الأندلس ومفكرها الكبير، أشدهم شعوراً بذلك الخطر الداهم، وقد استشعر به قبل وقوعه بأكثر من قرن، فعكف يهيب بقومه وإخوانه المسلمين فيما وراء البحر، ويستنفرهم إلى الجهاد. ومما يخاطبهم به قوله: "أيها الناس رحمكم الله، إخوانكم المسلمون بالأندلس قد دهم العدو قصمه الله ساحتهم، ورام الكفر خذله الله استباحتهم، وزحفت أحزاب الطواغيت عليهم، ومد الصليب ذراعه إليهم، وأيديكم بعزة الله أقوى، وأنتم المؤمنون أهل البر والتقوى، وهو دينكم فانصروه، وجواركم القريب فلا تخفروه، وسبيل الرشد قد وضح فلتبصروه. الجهاد االجهاد، فقد تعين، الجار الجار، قد قرر الشرع حقه وبيّن، الله الله فى الإسلام، الله الله فى أمة محمد عليه السلام، الله الله فى المساجد المعمورة بذكر الله، الله الله فى وطن الجهاد فى سبيل الله، فقد استغاث الدين فأغيثوه، قد تأكد عهد الله وحاشاكم أن تنكثوه، أعينوا إخوانكم بما أمكن من الإعانة، أعانكم الله عند الشدائد. جددوا عوائد الخير يصل الله لكم جميع العوائد ... أدركوا رمق الدين قبل أن يفوت، بادروا عليل الإسلام قبل أن يموت ... " (١).

ويشير ابن الخطيب فى إحدى رسائله إلى السلطان أبى سالم المرينى ملك المغرب إلى ما تعانيه الأندلس من المحن والأخطار، وينوه باتحاد الملوك النصارى على محاربتها والقضاء عليها فى قوله: "فاعلموا أننا فى هذه الأيام ندافع من العدو تياراً، ونكابر بحراً زخاراً، ونتوقع إلا أن وقى الله تعالى خطوباً كبارا، ونمد اليد إلى الله تعالى انتصاراً، ونلجأ إليه اضطراراً، ونستمد دعاء المسلمين بكل قطر، استعداداً به واستطهاراً" (٢).


(١) راجع نفح الطيب ج ٤ ص ٤١١؛ وأزهار الرياض ج ١ ص ٦٤؛ وابن الخطيب يتوجه هنا بندائه إلى أهل العدوة وملوكهم من بنى مرين.
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ٥٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>