للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول فى رسالة أخرى، مشيراً إلى ما يهدد الأندلس من جراء ذلك من خطر الفناء المحقق: "وقد قرَّت يا مولاى عين العبد بما رأت فى هذا الوطن المراكشى، من وفور حشودكم، وكثرة جنودكم، وترادف أموالكم، وعددكم، زادكم الله من فضله. ولاشك عند عاقل أنكم إن انحلت عروة تأميلِكم، وأعرضتم عن ذلك الوطن، استولت عليه يد عدوه" (١).

وإلى جانب رسائله المنثورة، كان ابن الخطيب، يوجه إلى المسلمين بالمغرب قصائد مؤثره فى الاستنفار للجهاد وإغاثة الأندلس، وإليك نموذج من هذه القصائد:

إخواننا لا تنسوا الفضل والعطفا ... فقد كاد نور الله بالكفر أن يطفا

وإذ بلغ الماء الزبا فتداركوا ... فقد بسط الدين الحنيف لكم كفَّا

تحكم فى سكان أندلس العدا ... فلهفاً على الإسلام ما بينهم لهفا

وقد مزجت أفواهها بدمائها ... فإن ظمئت لا رىَّ إلا الردى صرفا

أنوماً وإغفاءً على سنة الكرى ... وما نام طرف فى حماها ولا أغفا

أحاط بنا الأعداء من كل جانب ... فلا وزرا عنهم وحسدا ولا لهفا

ثغور غدت مثل الثغور ضواحكا ... أقام عليها الكفر يرشفها رشفا

ومنها:

وسيلتنا الإسلام وهو أخوة ... من الملأ الأعلى تقربنا زلفا

أخوفاً وقد لذنا بجاه من ارتضى ... وذلاًّ وقد عذنا بعز من استعفا

فهل ناصر مستبصر فى يقينه ... يحير من استعدا ويكفى من استكفا

ومنتجز فينا من الله وعده ... فلا نكث فى وعد الإله ولا خلفا

وهل بائع فينا من الله نفسه ... فلا مشتر أولى من الله أو أوفى

أفى الله شك بعد ما وضح الهدى ... وكيف لضوء الصبح فى الأفق أن يخفا

وكيف يعيث الكفر فينا ودوننا ... قبائل منكم تعجز الحصر والوصفا

غيوث نوال كلما سئلوا الندى ... ليوث نزال كلما حضروا الزحفا

فقوموا برسم الحق فقد عفا ... وهبوا لنصر الدين فينا فقد أشفا (٢).

ويبدى المؤرخ الفيلسوف ابن خلدون، تشاؤمه وتوجسه، من مصير


(١) نفح الطيب ج ٣ ص ٣٣١، وأزهار الرياض ج ١ ص ٦٦.
(٢) نقلنا هذه القصيدة من ديوان ابن الخطيب المخطوط المحفوظ بمكتبة جامع القرويين بفاس المسمى " الصيب والجهام، والماضى والكهام".

<<  <  ج: ص:  >  >>