للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلس فى أكثر من موطن، وهو الخبير بتقلبات الدول ومصايرها، وكان قد زار غرناطة وأقام بها مدى حين، ودرس أحوالها وشئونها (١).

وقد رأينا فيما تقدم كيف كانت مملكة غرناطة، جرياً منها على السياسة الأندلسية المأثورة منذ أيام المرابطين والموحدين، تتجه كلما لاح لها شبح الخطر الداهم من عدوها القوى، ببصرها إلى جارتها المسلمة القوية فيما وراء البحر، أعنى دولة بنى مرين. وكانت صولة الإسلام فى الضفة الأخرى من البحر، تروع اسبانيا النصرانية، وترد عدوانها عن الأندلس بين آونة وأخرى. ولكن صريخ بنى الأحمر إلى ملوك العدوة، لم يكن دائماً بعيداً عن التوجس والريب، ولم يستجب بنو مرين دائماً إلى صريخ الأندلس المحتضرة، وكانت لهم أحياناً مطامع ومشاريع فى الأندلس وقواعدها الجنوبية، تزهد فى غوثهم ونصرتهم. وكانت اسبانيا النصرانية كلما آنست تصرّم العلائق بين الدولتين الشقيقتين، انقضت على الأندلس فاقتطعت منها أرضاً جديدة. ولما أشرفت دولة بنى مرين على الانهيار، وشغلت عُدْوة المغرب بالفتن الداخلية، خبا أمل الأمة الأندلسية، فى تلقى الغوث والإمداد من تلك الناحية، واضطرت مملكة غرناطة أن تعتمد فى الذود عن حياتها، على قواها ومواردها المحدودة، وعلى ما يمكن أن تفيده من تطور الحوادث فى اسبانيا النصرانية. ولم تأت فاتحة النصف الأخير من القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى)، حتى غدت غرناطة وقد انتزعت معظم أطرافها من الغرب والجنوب، وأحاطت بها قوى النصرانية من كل صوب، تدبر عدتها الأخيرة للقضاء عليها.

- ٢ -

لما توفى السلطان سعد بن محمد بن يوسف النصرى فى أواخر سنة ٨٦٨ هـ (١٤٦٣ م) كان ولده الأكبر علىّ أبو الحسن الملقب بالغالب بالله (٢) متربعاً على عرش غرناطة قبل ذلك بأكثر من عام، وكان أبو الحسن يومئذ فتى فى نحو الثلاثين من عمره، لأنه ولد قبل سنة ٨٤٠ هـ، حسبما يحدثنا الرحالة المصرى الذى سبقت الإشارة إليها (٣). بيد أنه لم يستخلص الملك لنفسه إلا بعد نضال عنيف بينه وبين منافسيه، وعلى رأسهم أخواه يوسف أبو الحجاج والسيد أبو عبد الله محمد


(١) راجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٧٨، وج ٧ ص ٣٧٩.
(٢) راجع نفح الطيب ج ٢ ص ٦٠٧.
(٣) راجع ما نقله الأستاذ دللافيدا فى مجلة ( Al-Andalus V. I. ١٩٣٣ Fasc. -II) .

<<  <  ج: ص:  >  >>