للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروف "بالزغل"، وقد توفى يوسف قبل بعيد، وبقى "الزغل" ليخوض حياة حافلة بالأحداث والمحن. وكان أبو الحسن أميراً وافر الشجاعة والعزم، ويعشق الحرب والجهاد، وكانت له أيام أبيه غزوات موفقة فى أرض النصارى. وما كاد يستقر فى عرشه، حتى أبدى همة فائقة فى تحصين المملكة، وتنظيم شئونها، وبث فيها روحاً جديدة من القوة والطمأنينة، واستطاع أن يسترد عدة من الحصون والقواعد التى استولى عليها النصارى. وتولى وزارته، وزير أبيه من قبل، القائد أبو القاسم بن رضوان بنّيغش (١). وكان هذا الوزير، مثل سلفه الحاجب رضوان النصرى، سليل أسرة نصرانية، وأسر جده فى بعض المعارك، ورُبى فى كنف الدار السلطانية، وتبوأت أسرته بين الأسر الغرناطية مكانة رفيعة، واشتركت فى كثير من حوادث غرناطة السياسية، وتولت الوزارة.

وفى أوائل حكمه خرج عليه أخوه أبو عبد الله "الزغل" (٢) وكان يومئذ والياً لمالقة، وكان يضارعه فى الشجاعة والجرأة وحب النضال. ولجأ الزغل إلى عون ملك قشتالة هنرى الرابع يستنصره على أخيه، ولقيه فى محلته فى ظاهر أرشدونة، سنة ٨٧٤ هـ (١٤٦٩ م) فوعده بالعون والتأييد. وبادر السلطان أبو الحسن من جانبه بالإغارة على أراضى قشتالة (١٤٧٠ م). ثم عاد فى العام التالى فغزاها مرة أخرى، وانتزع من النصارى بعض المواقع التى استولوا عليها. وشغل أبو الحسن فى الأعوام الثلاثة التالية بمحاربة أخيه أبى عبد الله الزغل، الثائر عليه. وكان النضال سجالا بينهما. وشغل أبو الحسن بذلك عن غزو أرض النصارى. وشغل القشتاليون أنفسهم بما نشب بينهم من الخلاف الداخلى، وذلك حتى وفاة ملكهم هنرى الرابع فى سنة ١٤٧٤ م.

وفى تلك الأثناء خرجت مالقة عن طاعة أبى الحسن، حيث ثار بها القائد محمد الفرطوسى، وانضم إليه كثير من القواد والأجناد، فسار أبو الحسن إلى مالقة وحاصرها غير مرة، ولكنه لم يفلح فى إخماد الثورة، واستدعى القواد الثائرون أخاه أبا عبد الله محمد بن سعد (الزغل)، وكان يومئذ بقشتالة، وأعلنوه ملكاً عليهم، وانقسمت المملكة بذلك إلى شطرين متخاصمين (٣).


(١) تشغل أسرة بنيغش - وهو تحريف لاسمها الإسبانى Los Venegas - فى التواريخ القشتالية حيزاً ملحوظاً. وقد عاد بعض أفرادها إلى النصرانية عقب سقوط غرناطة، وأحرزت أسرتهم فيما بعد مكانة كبيرة بين الأرستقراطية الإسبانية، ونبغ فيها عدد من القادة ورجال الدين.
(٢) الزغل وزغل أعنى الشجاع أو الباسل والمصدر "زغلة". وسنرى فيما بعد كيف ينطبق هذا المعنى على سيرة الزغل وصفاته أتم الانطباق. راجع دوزى Supp. aux Dict. arabes. V. II. p. ٥٩٤
(٣) كتاب مرآة المحاسن لمؤلفه العربى الفاسى (طبع فاس ١٣٢٤ هـ) ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>