ولما تفاقم النزاع بين أبى الحسن وأخيه أبى عبد الله، ولم يحسم بينهما السيف ووضحت لهما العواقب الخطيرة التى يمكن أن تترتب على هذه الحرب الأهلية، جنح الفريقان إلى الروية وآثرا الصلح والتهادن، فعقدت الهدنة بين الأخوين، على أن تحترم الحالة القائمة، فيبقى أبو عبد الله الزغل على استقلاله بمالقة وأحوازها، ويستقر أبو الحسن فى عرش غرناطة وما إليها، وعقدت فى نفس الوقت هدنة مؤقتة بين المسلمين والنصارى.
وفى هذه الآونة التى أخذت فيها عوامل التفرق تمزق أوصال المملكة الإسلامية الصغيرة، كانت اسبانيا النصرانية تخطو خطوتها الأخيرة نحو الاتحاد النهائى، وذلك باقتران فرناندو ولد خوان الثانى ملك أراجون بإيسابيلا أخت هنرى الرابع ملك قشتالة، ثم إعلانهما ملكين لقشتالة فى سنة ١٤٧٩، وتبوىء فرناندو بعد ذلك عرش أراجون حسبما فصلنا. وهكذا اتحدت المملكتان الإسبانيتان القديمتان بعد أحقاب طويلة من الخلاف والحروب الأهلية، وأصبحت اسبانيا النصرانية قوة عظيمة موحدة، وكان تفرقها من قبل يتيح للأندلس فترات من السلام والأمن، ولكن الأندلس وقد صارت إلى ما صارت إليه من الانحلال والضعف، أضحت تواجه أعظم قوة واجهتها فى تاريخها.
وحاول السلطان أبو الحسن أن يجدد الهدنة مع القشتاليين، ليتفرغ لأعمال التحصين والإنشاء، وكان يلوح فى البداية أن العلائق بين الفريقين تسير نحو التفاهم والسلم. وهناك ما يدل فى الواقع على أنه كان يقوم يومئذ بين مملكة غرناطة، وبين قشتالة، صلح ثابت حسبما يؤيد ذلك اتفاق عقداه يومئذ على إجراء التحكيم فيما وقع من كل منهما على أراضى الآخر من ضروب العدوان التى ترتب عليها القتل والأسر والحرق، سواء فى البر أو البحر. وقد انتهت إلينا وثيقة تحتوى النصين العربى والقشتالى لهذا الاتفاق الذى عقد بين السلطان أبى الحسن وبين فرناندو وإيسابيلا ملكى قشتالة وأراجون، وهى مؤرخة فى شوال سنة ٨٨٢ هـ (يناير سنة ١٤٧٨ م)(١). وعلى هذا فقد أرسل السلطان أبو الحسن فى أوائل سنة ٨٨٣ هـ (١٤٧٨ م) إلى ملك قشتالة يطلب تجديد الهدنة القائمة بينهما. وكان فرناندو وإيسابيلا يقيمان يومئذ فى إشبيلية، فوافقا على ما طلبه أبو الحسن، ولكن
(١) Archivo general de Simancas ; P. R. ١١-٤، وفيها يوصف فرناندو وإيسابيلا بما يأتى: "السلطان المعظم الكبير الشهير الأصيل دون هرندة، والسلطانة الكبيرة الشهيرة دونيى قشبيل".