للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشرط أن تعترف مملكة غرناطة بطاعتهما، وأن تؤدى إلى قشتالة نفس الجزية من المال والأسرى التى كان يؤديها السلاطين السالفون. وأرسلا بالفعل سفيراً إلى السلطان أبى الحسن، يطالبه بعهد الطاعة وتأدية الجزية، فرفض أبو الحسن طلب الملكين النصرانيين بإباء، وأنذر السفير القشتالى بأنه ليس لديه سوى الحرب والكفاح. ولم يمض سوى قليل حتى أغار القشتاليون على حصن بللنقة (فيلا لونجا) واستولوا عليه، وعاثوا فى أحواز رندة، ورد أبو الحسن على ذلك بإعلان الحرب على قشتالة، وزحف تواً على بلدة "الصخرة" Zahara وهى قاعدة حصينة تقع على حدود الأندلس الغربية فى شمال غربى مدينة رندة، وكان قد انتزعها القشتاليون منذ عهد قريب، فباغتها أبو الحسن، واستولى عليها عنوة، وقتل حاميتها، وسبى سكانها (ديسمبر سنة ١٤٨١ م). وبالرغم مما أحرزه أبو الحسن من الظفر فى تلك المعركة الأولى، وبالرغم مما بثه هذا الظفر فى طوائف الشعب من الغبطة والحماسة، فقد اعتبر بعض العقلاء تصرفه اعتداء لا مبرر له، وتوجسوا شراً من عواقبه، وتقول الرواية القشتالية إن فقيهاً زاهداً شيخاً عُرف بنبوءاته، كان بين الوفود التى ذهبت غداة هذا الانتصار إلى قصر الحمراء، وأنه صاح فى وجه السلطان قائلا: "ويل لنا. لقد دنت ساعتك يا غرناطة، ولسوف تسقط أنقاض الصخرة فوق رؤوسنا: وقد حلت نهاية دولة الإسلام بالأندلس" (١)، على أن هذا الظفر المؤقت كان له أعظم الأثر فى إحياء قوى الشعب المعنوية، ولاح لإسبانيا النصرانية يومئذ أن الأندلس المحتضرة تكاد تبدأ حياة جديدة من القوة. ولكن هذا البعث الخلب لم يطل أمده. ذلك لأن أبا الحسن لم يلبث أن ركن إلى الدعة، وأطلق العنان لأهوائه وملاذه، وبذر حوله بذور السخط والغضب، بما ارتكبه فى حق الأكابر والقادة من صنوف العسف والشدة، وما أساء إلى شئون الدولة والرعية، وما أثقل به كاهلهم من صنوف المغارم، وما أغرق فيه من ضروب اللهو والعبث، وكان وزيره أبو القاسم بنِّيغش يجاريه فى أهوائه وعسفه، ويتظاهر أمام الشعب بغير ذلك. وهكذا عادت عوامل الفساد والانحلال والتفرق الخالدة، تعمل عملها الهادم، وتحدث آثارها الخطرة (٢).

...


(١) Lafuente Alcantra: ibid ; V. III. p. ٢٠٢-٢٠٦ وكذلك Condé;ibid ; V. III. p. ٢١٠&٢١١
(٢) راجع كتاب " أخبار العصر فى انقضاء دولة بنى نصر" (ص ٣)، وهو الرواية الإسلامية =

<<  <  ج: ص:  >  >>