للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاملا جديداً فى إذكاء عوامل الخصومة والتنافس الخطرة. وكانت ثريا فى الواقع تتطلع إلى أبعد من السيطرة على الملك الشيخ. ذلك أنها أنجبت من الأمير أبى الحسن كخصيمتها عائشة ولدين، هما سعد ونصر، وكانت ترجو أن يكون الملك لأحدهما. وقد بذلت كل ما استطاعت من صنوف الدس والإغراء لإبعاد خصيمتها الأميرة عائشة عن كل نفوذ وحظوة، وحرمان ولديها محمد ويوسف من كل حق فى الملك، وكان أكبرهما أبو عبد الله محمد ولى العهد المرشح للعرش، وكان أشراف غرناطة يؤثرون ترشيح سليل بيت الملك، على عقب الجارية النصرانية. ولكن ثريا لم تيأس ولم تفتر همتها، فما زالت بأبى الحسن حتى نزل عند تحريضها ورغبتها، وأقصى عائشة وولديها عن كل عطف ورعاية، ثم ضاعفت ثريا سعيها ودسها حتى أمر السلطان باعتقالها، وزجت عائشة مع ولديها إلى برج قمارش، أمنع أبراج الحمراء، وشدد فى الحجر عليهم، وعوملوا بمنتهى الشدة والقسوة.

فأثار هذا التصرف غضب كثير من الكبراء الذين يؤثرون الأميرة الشرعية وولديها بعطفهم وتأييدهم، وكان نذير الاضطراب والخلاف فى المجتمع الغرناطى. وانقسم الزعماء والقادة إلى فريقين خصيمين، فريق يؤيد الأميرة الشرعية وولديها، وفريق يؤيد السلطان وحظيته. واستأثر الفريق الأخير بالنفوذ مدى حين، واضطرمت الأهواء والشهوات والأحقاد، واشتد السخط على أبى الحسن وحظيته التى أضحت سيدة غرناطة الحقيقية، واستأثرت بكل سلطة ونفوذ. وذهبت ثريا فى طغيانها إلى أبعد حد، فحرضت الملك الشيخ على إزهاق ولده أبى عبد الله عثرة آمالها.

وكانت الأميرة عائشة امرأة وافرة العزم والشجاعة، فلم تستسلم إلى قدرها الجائر، بل عمدت إلى الاتصال بعصبتها وأنصارها، وفى مقدمتهم بنو سراج أقوى أسر غرناطة، وأخذت تدبر معهم وسائل الفرار والمقاومة؛ ولم يغفر السلطان أبو الحسن لبنى سراج هذا الموقف قط. ويقال إنه عمد فيما بعد إلى تدبير إهلاكهم فى إحدى أبهاء الحمراء. ولما وقفت الأميرة عائشة من أصدقائها على نية أبى الحسن قررت أن تبادر بالعمل، وأن تغادر قصر الحمراء مع ولديها بأية وسيلة.

وفى ليلة من ليالى جمادى الثانية سنة ٨٨٧ هـ (١٤٨٢ م) استطاعت الأميرة أن تفر مع ولديها محمد ويوسف بمعاونة بعض الأصدقاء المخلصين. والرواية

<<  <  ج: ص:  >  >>