للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يقيم يومئذ مع زوجه الفتية الحسناء فى جناح الحمراء الكبير أو قصر قمارش، وذلك بينما كانت تقيم الحرة وأولادها فى جناح بهو السباع (١).

ولم يكن اقتران الأمير بفتاة نصرانية بدعة، ولكنه تقليد قديم فى قصور الأندلس. وقد ولد بعض خلفاء الأندلس وأمرائها العظام من أمهات من النصارى، مثل عبد الرحمن الناصر وحفيده هشام المؤيد، وكذلك ولد بعض الأمراء من بنى نصر ملوك غرناطة من أمهات من النصارى مثل السلطان محمد بن اسماعيل النصرى (٢). ولم يكن الزواج المختلط نادراً فى المجتمع الأندلسى الرفيع، ولاسيما منذ أيام الطوائف، وكان كثير من الأكابر والأشراف يتزوجون بفتيات من النصارى سواء كن من السبايا أم من الأحرار. ولم يكن العكس نادراً أيضاً. فمنذ توالى سقوط القواعد والثغور الأندلسية فى أيدى النصارى، كثر الزواج بين المدجنين وبين النصارى، وفقد المدجّنون بمضى الزمن دينهم ولغتهم، واندمجوا فى المجتمع النصرانى. ونرى بين زعماء شرقى الأندلس بعض أمراء يرجعون إلى أصل نصرانى، مثل محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش ملك بلنسية ومرسية، وقد كان يتكلم القشتالية، ويلبس الثياب القشتالية، ويتقلد السلاح القشتالى، وكان معظم ضباطه وجنده من النصارى، وكان الإسبان يعرفونه بالملك "دون لوبى" (٣).

ولم يكن ثمة ريب فى خطورة الآثار الاجتماعية، التى يحدثها مثل هذا ْالامتزاج الوثيق، وقد كانت فيما بعد من أهم العوامل التى أدت إلى انحلال المجتمع الإسلامى، وانحلال عصبية الدولة الإسلامية. كذلك لم يكن ثمة ريب فى أن هذه الآثار الهدامة، كانت أعمق وقعاً وأشد خطراً وقت الإنحلال العام.

وكان السلطان أبو الحسن قد شاخ يومئذ وأثقلته السنون، وغدا أداة سهلة فى يد زوجه الفتية الحسناء. وكانت ثريا فضلا عن حسنها الرائع، فتاة كثيرة الدهاء والأطماع، وكان وجود هذه الأميرة الأجنبية فى قصر غرناطة، واسئثارها بالسلطان والنفوذ فى هذه الظروف العصيبة، التى تجوزها المملكة الإسلامية،


(١) كتب هرناندو دى باينا Hernando de Baeza هذه الرواية المعاصرة بعنوان Las Cosas de Granada " شئون غرناطة"، ونشرها المستشرق ميللر مع كتاب أخبار العصر (ص ٦٥).
(٢) الإحاطة ج ١ ص ٥٤٦.
(٣) راجع الإحاطة ج ٢ ص ٨٢؛ وكتابى عصر المرابطين والموحدين القسم الأول ص ٣٦٦ وكذلك A. P. Ibars: Valencia Arabe و Dozy: Recherches (١٨٨١) V. I. p. ٣٦٥ (Valencia ١٩٠١) p. ٥١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>