للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أن حياة السلطانة "الحرة"، تبدو لنا خلال الحوادث والخطوب، كأنها صفحة من القصص المشجى، أكثر مما تبدو كصفحة من التاريخ الحق، وهذا اللون القصصى لا يرجع فقط إلى كونها أميرة أو امرأة، تشترك فى تدبير الملك، وتدبير الشئون والحوادث، ولكن يرجع بالأخص إلى شخصيتها القوية، وإلى سمو روحها ورفيع مثلها، وإلى جنانها الجرىء يواجه كل خطر، ويسمو فوق كل خطب ومصاب. والرواية القشتالية ذاتها -وهى تسميها عائشة حسبما قدمنا- لا تضن عليها بالتنويه والتقدير، وهى التى تسبغ على شخصيتها وحياتها كثيراً من هذا اللون القصصى المشجى.

كانت عائشة "الحرة" ملكة غرناطة فى ظل ملك يحتضر، ومجد يشع بضوئه الأخير ليخبو ويغيض. وقد رزقت من زوجها السلطان أبى الحسن بولدين هما: أبو عبد الله محمد وأبو الحجاج يوسف. وكانت روح العزم والتفاؤل، التى سرت فى بداية هذا العهد إلى غرناطة، تذكى بقية من الأمل فى إنقاذ هذا الملك التالد. وكانت عائشة ترى من الطبيعى أن يؤول الملك إلى ولدها، ولكن حدث بعد ذلك ما يهدد هذا الأمل المشروع. ذلك أن السلطان أبا الحسن ركن فى أواخر أيامه إلى حياة الدعة، واسترسل فى أهوائه وملاذه، واقترن للمرة الثانية بفتاة نصرانية رائعة الحسن، تعرّفها الرواية الإسلامية باسم "ثريا" الرومية، وتقول الرواية الإسبانية إن ثريا هذه واسمها النصرانى إيسابيلا، وتعرفها الرواية أيضاً باسم "زريدة"، كانت ابنة عظيم من عظماء اسبانيا وهو القائد "سانشو خمنيس دى سوليس" وأنها أخذت أسيرة فى بعض المعارك، وهى صبية فتية، وألحقت وصيفة بقصر الحمراء فاعتنقت الإسلام، وتسمت باسم ثريا أو كوكب الصباح، فهام بها السلطان أبو الحسن، ولم يلبث أن تزوجها، واصطفاها على زوجه الأميرة عائشة، التى عرفت عندئذ "بالحرة" تمييزاً لها من الجارية الرومية، أو إشادة بطهرها ورفيع خلالها (١). ويقول لنا المؤرخ المعاصر هرناندو دى بايثا، إن السلطان أبى الحسن


(١) راجع Irving: Conquest of Granada حيث يورد أقوال الرواية الإسبانية عن شخصية ثريا (الفصل التاسع). ويقول كوندى إن ثريا كانت ابنة حاكم مرتش النصرانى ( Condé; ibid, V. III. p. ٢٤٢) . ولكن الرواية العربية تكتفى بالقول بأن ثريا كانت جارية رومية (المقرى فى نفح الطيب ج ٢ ص ٦٠٨، وأخبار العصر فى انقضاء دولة بنى نصر طبعة ميللر ص ٦) ويتفق برسكوت مع الرواية العربية فيقول إن ثريا كانت جارية يونانية، أى رومية. راجع History of Ferdinand and Isabella, p. ٢١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>