للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان فرناندو الخامس عقب هزيمته أمام لَوْشه، قد سير جنده إلى مالقة لافتتاحها. وكانت مالقة أعظم الثغور الباقية بيد المسلمين. وكان النصارى يتوقون للاستيلاء عليها لإتمام تطويق الأندلس من الجنوب، ولكن المسلمين كانوا على أتم أهبة للدفاع عن هذا الثغر المنيع. واشتبك المسلمون والنصارى فى عدة مواقع دموية فى الهضاب الواقعة فيما بين مالقة وبلِّش ( Velez) ، فهزم النصارى فى كل مكان وردوا بخسائر فادحة، وخرج الأمير محمد بن سعد "الزغل" فى قواته من مالقة ولقى النصارى على مقربة منها، ونشبت بين الفريقين معركة شديدة هزم فيها النصارى هزيمة ساحقة، وقتل وأسر منهم عدة آلاف بينهم كثير من الزعماء والأكابر (صفر ٨٨٨ - مارس ١٤٨٣) (١). وتعرف هذه الموقعة "بالشرقية" لوقوعها فى المنطقة المسماة بذلك فى شرقى مالقة. وكان منظم هذا الدفاع الباهر كله الأمير أبو عبد الله "الزغل". وكان لانتصار المسلمين أعظم وقع فى جنبات الأندلس؛ فانتعشت الآمال وسرت الحماسة فى كل مكان، وهبت على غرناطة ريح جديدة من الاستبشار والنصر.

واعتزم ملك غرناطة الفتى أبو عبد الله محمد، أن يحذو حذو عمه الباسل فى الجهاد والغزو، وأن ينتهز فرصة اضطراب النصارى عقب الهزيمة، فخرج فى قواته فى شهر ربيع الأول سنة ٨٨٨ (ابريل سنة ١٤٨٣) متجهاً نحو قرطبة، شمال غربى غرناطة، واجتاح فى طريقه عدداً من الحصون والضياع، وهزم النصارى فى عدة معارك محلية. ثم ارتد مثقلا بالغنائم فى طريق العودة، فأدركه النصارى فى ظاهر قلعة اللّسانة ( Lucena) (٢) وكان يزمع حصارها. ونشبت بين الجيشين معركة هائلة ارتد فيها المسلمون إلى ضفاف نهر شنيل، وقتل وأسر كثير من قادتهم وفرسانهم، وكان بين الأسرى السلطان أبو عبد الله محمد نفسه (٣)، عرفه الجند النصارى بين الأسرى أو عرّفهم بنفسه خشية الاعتداء عليه، فأخذوه إلى قائدهم الكونت دى كابرا (قبره) فاستقبله بحفاوة وأدب، وأنزله بإحدى


= الانقلاب؛ ويندد بسلوك سلاطين غرناطة فى الوثوب بعضهم على بعض بقوله: "وهو غالب عادتهم بتلك البلاد مع الآباء والأولاد بل والأجداد ": ( Al-Andalus ; Vol. I. ١٩٣٣ ; Fasc. ٢)
(١) أخبار العصر ص ١٣.
(٢) هى بلدة صغيرة حصينة تقع اليوم فى نطاق ولاية قرطبة، جنوب شرقى مدينة قرطبة.
(٣) أخبار العصر ص ١٤. ويشير عبد الباسط بن خليل المصرى فى حولياته إلى هذه الموقعة ويصفها، "بالكائنة العظمى، والداهية الطما".

<<  <  ج: ص:  >  >>