للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحصون الغربية تحت حراسة قوية. وأخطر فى الحال ملكى قشتالة بالنبأ السعيد، فأمر فرناندو أن يؤتى بالأسير الملكى إلى قرطبة، وأن يستقبل استقبال الأمراء؛ فأخذ أبو عبد الله وأصحابه إلى قرطبة فى حرس قوى، واحتشد أهل قرطبة لرؤية موكب الملك المسلم، وكان أبو عبد الله يرتدى ثوباً من القطيفة السوداء، ويمتطى حصاناً أسود عليه سرج ثمين، وكان وجهه يشع كآبة، وأخذ الملك الأسير أولا إلى دار الأسقف المواجه للمسجد الجامع، ثم أخذ بعد ذلك إلى أحد القلاع الحصينة، وعومل هناك بإكرام وحفاوة، وأقام فى أسره مكتئباً ينتظر يوم الخلاص.

وعاد المسلمون إلى غرناطة دون ملكهم، وقد مزقتهم الهزيمة وفتت فى عزائمهم، فارتاعت العاصمة لهذه النكبة واضطرب الشعب، وساد الوجوم قصر الحمراء، وسرى الحزن والأسى إلى حرم الأمير وقرابته، ولم يحتفظ فيها بهدوئه وسكينته سوى أمه الأميرة عائشة. واجتمع الكبراء والقادة وقرروا استدعاء أبى الحسن السلطان المخلوع ليجلس على العرش مكان ولده الأسير. ولكن أبا الحسن كان قد هدمه الإعياء والمرض وفقد بصره، ولم يستطع أن يضطلع بأعباء الحكم طويلا، فنزل عن العرش لأخيه محمد أبى عبد الله "الزغل" حاكم مالقة، وارتد إلى المنكَّب فأقام بها حيناً حتى توفى (٨٩٠ هـ - ١٤٨٥ م).

وجلس "الزغل" على العرش يدبر شئون المملكة، وينظم الدفاع عن أطرافها. أما السلطان أبو عبد الله محمد فلبث يرسف فى أسره عند النصارى. وأدرك ملكا قشتالة فى الحال ما للأمير الأسير من الأهمية، وأخذا يدبران أفضل الوسائل للاستعانة به فى تحقيق مآربهما فى مملكة غرناطة، وبعد إمعان البحث والتدبير رؤى أن يُفرج عن الملك الأسير لقاء أفضل الشروط التى يمكن الحصول عليها، لأن هذا الإفراج من شأنه أن يزيد فى اضطرام الحرب الأهلية بين المسلمين، وأن يعاون بذلك فى إضعاف قواهم والتمهيد لسحقهم. وبذل أبو الحسن حين عوده إلى العرش جهده لافتداء ولده، لا بباعث الحب له والشفقة عليه، ولكن لكى يحصل فى يده ويأمن شره ومنافسته، وعرض على فرناندو نظير تسليمه أن يدفع فدية كبيرة، وأن يطلق عدداً من أكابر النصارى المأسورين عنده، فأبى فرناندو وآثر أن يحتفظ بالأسير إلى حين. وبذلت الأميرة عائشة من جهة أخرى مجهوداً آخر لإنقاذ ولدها بمؤازرة الحزب الذى يناصره، وأرسلت إلى ملك قشتالة، سفارة على رأسها الوزير ابن كماشة، ليفاوض فى الإفراج عن الأسير

<<  <  ج: ص:  >  >>