للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يؤمن أهل لوشة الذين يرغبون مغادرتها فى أنفسهم، وفيما يستطيعون حمله من أموالهم، وأن يسمح لمن شاء منهم، أن يعيش فى قشتالة أو أراجون أو بلنسية بذلك (١)، وأن تسلم المدينة إلى ملك قشتالة مع سائر الأسرى النصارى. ودخل القشتاليون لوشة، فى ٢٦ جمادى الأولى سنة ٨٩١ هـ (مايو سنة ١٤٨٦)، وسار معظم أهلها إلى غرناطة، بأمتعتهم وخيلهم وسلاحهم.

وأما فيما يتعلق بأبى عبد الله، فتقول لنا الرواية القشتالية، إن موقفه فى الدفاع عن لوشة، اعتبر منافياً لتعهداته للملكين الكاثوليكيين، ونكراناً لحسن الصنيعة، ومع ذلك فقد ارتضيا الصفح عنه، وأن يسمح له بالاحتفاظ بلقب ملك غرناطة، وأن يمنح لقب "صاحب وادى آش" إذا استطاع أن يستولى عليها؛ وإذا أراد أن يلتجىء إلى قشتالة، فإنه يسمح له أن يعيش هنالك آمناً على نفسه، وإن شاء العبور إلى المغرب، أمده ملك قشتالة بوسائل الانتقال (٢).

على أننا نرى على ضوء الرواية الإسلامية، أن موقف أبى عبد الله من حوادث لوشة، كان موقفاً مريبا. والواقع أنه كان يبذل جل جهده للدعوة إلى قضيته، وإلى مقاومة عمه ونزعه عن العرش. وكان يمزج الدعوة لنفسه بالدعوة لملك قشتالة، ويشيد بمزايا الصلح المعقود معه. ولم يكن خافياً أنه يستظل بمظاهرة النصارى وتأييدهم، وأنه غدا آلة فى يد ملك قشتالة يعمل بوحيه وتوجيهه.

ولما غادر ملك قشتالة مدينة لوشة أخذ معه أبى عبد الله إما أسيراً، حسبما يقول صاحب أخبار العصر، أو أنه سار معه ليستمد عونه فى تنفيذ خطته للاستيلاء على عرش غرناطة، وهى خطة يؤيدها ملك قشتالة ويشجعها، لأنها تخدم أغراضه ومطامعه فى القضاء على تلك المملكة الصغيرة التى مزقتها الحرب الأهلية.

ولم يغفل فرناندو تلك الفرصة الذهبية لانتزاع ما يمكن انتزاعه من أراضى مملكة غرناطة. فبينما الحرب الأهلية تضطرم فى العاصمة وحولها، إذ سار النصارى إلى حصن أليورة الواقع شمال غربى غرناطة وحاصروه وضربوه "بالأنفاط" حتى اضطروا أهله إلى التسليم والخروج عنه؛ ثم ساروا إلى حصن مكلين الواقع شمال شرقى إليورة وهاجموه ونشبت بينهم وبين المدافعين عنه معركة عنيفة انتهت


(١) ان اختيار أراجون وبلنسية بالذات لإيواء المسلمين المهاجرين من القواعد المفتوحة، يرجع إلى أنه كان يوجد عندئذ فى أراجون وفى بلنسية بالأخص مجتمع كبير من المدجنين، أو المسلمين القدماء الذين بقوا تحت حكم الاسبان.
(٢) Gaspar y Remiro: ibid, p. ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>