للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتحطيم أسواره بفعل "الأنفاط" واستيلائهم عليه، وخروج أهله عنه إلى غرناطة (١) ثم استولى النصارى بعد ذلك على حصن قلنبيرة الواقع شرقى مكلين بالأمان (٢)، إذ رأى أهله ما نزل بغيرهم ففضلوا التسليم دون قتال، واستولوا بعده على سلسلة أخرى من القلاع والحصون التى تحمى مشارف غرناطة، وأصلحوها وشحنوها بالرجال والمؤن، لتؤدى دورها فيما بعد من التضييق على العاصمة وتهديدها (٣).

وهنا نقف قليلا لنتساءل عن حقيقة هذه "الأنفاط" التى توالى ذكرها فى سير هذه المعارك، التى اضطرمت بالأخص فى لوشة وفى رندة وفى الحصون المجاورة، والتى كانت فيما يبدو عمدة النصارى فى التفوق على المسلمين، فى تحطيم هذه الحصون القوية. ولقد أشارت الرواية الإسلامية عن سقوط غرناطة، وهى رواية صاحب "أخبار العصر" وهى التى كتبها بعد وقوع هذه الأحداث بنحو نصف قرن فقط وكان شاهداً لها ومشتركاً فيها، إلى تلك "الأنفاط" فى عدة مواضع ثم وصفها لنا فيما يأتى:

"وكان له (أى لملك قشتالة) أنفاط يرمى بها صخور من نار، فتصعد فى الهواء، وتنزل على الموضع، وهى تشتعل ناراً، فتهلك كل من نزلت عليه وتحرقه، فكان تلك من جملة ما كان يخذل فى أهل المواضع التى كان ينزل بها" (٤).

ونحن نعرف أن مسلمى المشرق كانوا منذ أيام الحروب الصليبية، يحذقون استعمال الرمى بالنار والأنفاط، وأن هذه النار كانت ترمى من آلات قاذفة تعرف بالحراقات، على حصون العدو ومعسكراته وسفنه فى البحر فتفتك بها. وقد لعبت هذه النار دوراً هاماً فى الحروب الصليبية، وألفت فيها مصر سلاحاً منيعاً لرد عدوان الصليبيين وتمزيق حملاتهم. والظاهر أن هذا السلاح الذى استأثر به المسلمون مدى حين فى المشرق، قد عرفه مسلمو إفريقية والأندلس منذ منتصف القرن السابع الهجرى، واستعملوه فى محاربة أعدائهم نصارى اسبانيا. ففى حصار لبلة (٦٥٥ هـ - ١٢٥٧ م) استعمل الموحدون من فوق الأسوار لدفع جيوش ألفونسو العاشر ملك


(١) ما تزال أنقاض هذا الحصن قائمة فى مكانها. وقد زرناه وشاهدنا أثر الأنفاط فى هدم بعض أبراجه وأسواره.
(٢) حصن إليوره أو بلدة إليوره هى بالإسبانية Illora؛ وموكلين أو مكلين هى بالإسبانية
Moclin؛ وقلنبيرة هى Colomera، وهى اليوم من بلاد منطقة غرناطة الشمالية الغربية.
(٣) أخبار العصر ص ٢٢.
(٤) أخبار العصر ص ٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>