للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجارية وثيقة. وكان لمصر هبتها المتالدة بين الدول النصرانية منذ الحروب الصليبية وبالأخص لأنها تحكم البقاع النصرانية المقدسة، وبين رعاياها ملايين من النصارى.

ولم يكن غريباً فى تلك الآونة أن تفكر الأندلس إبان محنتها القاسية مرة أخرى، فى الإستغاثة بمصر بعد أن رأت قصور الدول المغربية عن إنجادها. وكان من الطبيعى أن تهتم دول الإسلام من أقصاها إلى أقصاها بمصير الأمة الأندلسية، وأن تفكر فى التماس السبيل إلى غوثها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا. ولا تشير المصادر الإسلامية إلى فكرة أو سياسة معينة، وضعتها أو اعتزمتها الدول الإسلامية لتحقيق هذه الغاية، ولكنها تشير فقط إلى سفارة أندلسية وفدت على بلاط مصر.

على أن المصادر الغربية تشير بالعكس إلى أن خطة كهذه قد وضعت ونظمت. وخلاصة ما تقوله فى ذلك هو أن المشرق كله اهتز لحوادث الأندلس، وسقوط قواعدها السريع فى يد النصارى، وأن بايزيد الثانى سلطان الترك والأشرف قايتباى سلطان مصر، تهادنا مؤقتاً بالرغم مما كان بينهما من خصومات مضطرمة وحروب دموية، وعقدا محالفة لإنجاد الأندلس وإنقاذ دولة الإسلام فيها، ووضعا لذلك خطة مشتركة خلاصتها أن يرسل بايزيد الثانى أسطولا قوياً لغزو جزيرة صقلية التى كانت يومئذ من أملاك اسبانيا، ليشغل بذلك اهتمام فرناندو وإيسابيلا، وأن تبعث سريات كبيرة من الجند من مصر وإفريقية، تجوز البحر إلى الأندلس، لتنجد جيوشها وقواعدها (١). ومن الصعب أن نعتقد بأن مثل هذه الخطة الموحدة، يمكن أن يتفق عليها بين مصر وقسطنطينية فى مثل الظروف التى كانت تجوزها علائق البلدين يومئذ؛ فقد كانت علائق جفاء وقطيعة، وكان الترك يتربصون بمصر ويطمحون إلى غزوها، وكانت مصر تخشى العدوان ويسودها التوجس والحذر، وكان انفصام العلائق بين تركيا ومصر على هذا النحو أبعد من أن يسمح بعقد مثل هذا التحالف بينهما. وكل ما يمكن قوله فى هذا الشأن هو أن فكرة إنجاد الأندلس كانت تلقى فى بلاط القاهرة وقسطنطينية نفس العطف، وإن لم يتفاهما فى ذلك على خطة موحدة.

وعلى أى حال فمن المحقق الذى لا ريب فيه أن مصر قد تلقت استغاثة الأندلس، ووضعت خطة دبلوماسية خاصة لإسعافها وإنجادها. وقد وصلت سفارة الأندلس إلى مصر فى أواخر سنة ٨٩٢ هـ (نوفمبر سنة ١٤٨٧ م). ويصف ابن إياس هذه


(١) راجع: Irving: Conquest of Granada p. ١٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>